الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }

فيه أربع مسائل: الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } لما بيّن تعالىٰ أن الكفار تفرّقوا بيّن أن الله هداه إلى الدِّين المستقيم وهو دين إبراهيم { دِيناً } نصب على الحال عن قُطْرُب. وقيل: نصب بـ { هَدَانِى } عن الأخفش. قال غيره: انتصب حملاً على المعنى لأن معنى هداني عرّفني ديناً. ويجوز أن يكون بدلاً من الصراط، أي هداني صراطاً مستقيماً ديناً. وقيل: منصوب بإضمار فعل فكأنه قال: ٱتبعوا ديناً، وٱعرفوا ديناً. { قِيَماً } قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف والتخفيف وفتح الياء، مصدر كالشبع فوصف به. والباقون بفتح القاف وكسر الياء وشدّها، وهما لغتان. وأصل الياء والواو «قيوِم» ثم أدغمت الواو في الياء كميت. ومعناه ديناً مستقيماً لا عِوج فيه { مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } بدل { حَنِيفاً } قال الزجاج: هو حال من إبراهيم. وقال عليّ بن سليمان: هو نصب بإضمار أعني. الثانية ـ قوله تعالىٰ: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي } قد تقدّم اشتقاق لفظ الصَّلاة. وقيل: المراد بها هنا صلاة الليل. وقيل: صلاة العِيد. والنّسك جمع نسِيكة، وهي الذّبيحة، وكذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم. والمعنى: ذَبْحِي في الحج والعمرة. وقال الحسن: نسكي دِيني. وقال الزجاج: عبادتي ومنه الناسك الذي يتقرّب إلى الله بالعبادة. وقال قوم: النسك في هذه الآية جميع أعمال البر والطاعات من قولك نسك فلان فهو ناسك، إذا تعبّد. { وَمَحْيَايَ } أي ما أعمله في حياتي { وَمَمَاتِي } أي ما أوصي به بعد وفاتي. { للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي أفرده بالتقرُّب بها إليه. وقيل: «وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ» أي حياتي وموتي له. وقرأ الحسن: «نُسْكِي» بإسكان السين. وأهل المدينة «ومحياي» بسكون الياء في الإدراج. والعامة بفتحها لأنه يجتمع ساكنان. قال النحاس: لم يُجِزه أحد من النحويين إلاَّ يونس، وإنما أجازه لأن قبله ألفاً، والألف المدّة التي فيها تقوم مقام الحركة. وأجاز يونس ٱضربانْ زيداً، وإنما منع النحويون هذا لأنه جمع بين ساكنين وليس في الثاني إدغام، ومن قرأ بقراءة أهل المدينة وأراد أن يَسْلَم من اللحن وقف على «محياي» فيكون غير لاحِنٍ عند جميع النحويين. وقرأ ٱبن أبي إسحاق وعيسى ابن عمر وعاصم الجَحْدرِيّ «وَمَحْييّ» بتشديد الياء الثانية من غير ألف، وهي لغة عُلْيَا مُضَر يقولون: قَفَيّ وَعَصَيّ. وأنشد أهل اللغة:
سَبَقـوا هَويّ وأعْنَقُوا لهـواهم   
وقد تقـدّم. الثالثة ـ قال الكيا الطبريّ: قوله تعالىٰ: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } إلى قوله { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ٱستدلّ به الشافعيّ على افتتاح الصَّلاة بهذا الذكر فإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزله في كتابه، ثم ذكر حديث عليّ رضي الله عنه:

السابقالتالي
2 3