الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

قوله تعالىٰ: { هَلْ يَنظُرُونَ } معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا، فماذا ينتظرون. { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } أي عند الموت لقبض أرواحهم. { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } قال ابن عباس والضحاك: أمْرُ ربّك فيهم بالقتل أو غيره، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف كقوله تعالىٰ:وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82] يعني أهل القرية. وقوله:وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } [البقرة: 93] أي حُبّ العجل. كذلك هنا: يأتي أمر ربك، أي عقوبة ربّك وعذاب ربّك. ويُقال: هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلاَّ الله. وقد تقدّم القول في مثله في «البقرة» وغيرها. { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } قيل: هو طلوع الشمس من مغربها، بيّن بهذا أنهم يُمْهَلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال. وقيل: إتيانُ الله تعالىٰ مجيئُه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة كما قال تعالىٰ:وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [الفجر: 22]. وليس مجيئه تعالىٰ حركة ولا انتقالا ولا زوالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسماً أو جوهراً. والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: يجيء وينزل ويأتي. ولا يُكَيِّفون لأنهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورىٰ: 11]. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث إذا خرجْنَ لا ينفع نفساً أيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها والدّجالُ ودابَّةُ الأرض " وعن صَفْوان بن عَسّال المُرَادِيّ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يُغْلَق حتى تطلع الشمس من نحوه " أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والدارميّ والتّرمذيّ وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال سفيان: قِبل الشام، خلقه الله يوم خلق السَّمٰوات والأرض. «مفتوحاً» يعني للتوبة لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه. قال: حديث حسن صحيح. قلت: وكذّب بهذا كله الخوارجُ والمعتزلة كما تقدم. وروى ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب فقال: أيها الناس، إن الرَّجْم حق فلا تُخْدَعُنّ عنه، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رَجم، وأن أبا بكر قد رَجَم، وأنّا قد رجمنا بعدهما، وسيكون قوم من هذه الأُمة يكذّبون بالرَّجْم، ويكذّبون بالدّجال، ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكّذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما ٱمْتَحَشُوا. ذكره أبو عمر. وذكر الثعلبيّ في حديث فيه طول عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: أن الشمس تُحبس عن الناس ـ حين تكثر المعاصي في الأرض، ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكر فلا يُنْهى عنه ـ مقدار ليلة تحت العرش، كلما سجدتْ واستأذنت ربها تعالىٰ من أين تطلع لم يجىء لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها، ويستأذن من أين يطلع فلا يُجاء إليهما جواب حتى يُحبسا مقدارَ ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر فلا يعرف طول تلك الليلة إلاَّ المتهجدون في الأرض، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين. فإذا تمّ لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالىٰ إليهما جبريل عليه السَّلام فيقول: «إن الربّ سبحانه وتعالىٰ يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور» فيطلعان من مغاربهما أسودين، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك "

السابقالتالي
2 3 4