الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

فيه أربع عشرة مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ } أي تقدّموا وٱقرءوا حَقّاً يقيناً كما أوحى إليّ ربِّي، لا ظنّاً ولا كذباً كما زعمتم. ثم بيّن ذلك فقال: «أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» يقال للرجل: تعالَ، أي تقدّم، وللمرأة تعالَيْ، وللإثنين والاثنتين تعاليا، ولجماعة الرجال تعالَوْا، ولجماعة النساء تعالَيْن قال الله تعالى:فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ } [الأحزاب: 28]. وجعلوا التقدّم ضرباً من التعالي والارتفاع لأن المأمور بالتقدّم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً فقيل له تعال، أي ٱرفع شخصك بالقيام وتقدّم وٱتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي قاله ابن الشَّجَرِيّ. الثانية ـ قوله تعالى: { مَا حَرَّمَ } الوجه في «ما» أن تكون خبرية في موضع نصب بـ «أَتْلُ» والمعنى: تعالوا أتل الذي حرّم ربكم عليكم فإن علّقت «عليكم» بـ «حرّم» فهو الوجه لأنه الأقرب وهو اختيار البصريين. وإن علقته بـ «أتل» فجيّد لأنه الأسبق وهو اختيار الكوفيين فالتقدير في هذا القول أتل عليكم الذي حرم ربكم. { أَلاَّ تُشْرِكُواْ } في موضع نصب بتقدير فعل من لفظ الأوّل، أي أتل عليكم ألا تشركوا أي أتل عليكم تحريم الإشراك، ويحتمل أن يكون منصوباً بما في «عليكم» من الإغراء، وتكون «عليكم» منقطعة مما قبلها أي عليكم ترك الإشراك، وعليكم إحساناً بالوالدين، وألاّ تقتلوا أولادكم وألا تَقْرَبوا الفواحش. كما تقول: عليك شأنكَ أي ٱلزم شأنك. وكما قال:عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة: 105] قال جميعَه ابن الشَّجَرِيّ. وقال النحاس: يجوز أن تكون «أن» في موضع نصب بدلاً من «ما» أي أتل عليكم تحريم الإشراك. واختار الفرّاء أن تكون «لا» للنهي لأن بعده «ولا». الثالثة ـ هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيّه عليه السلام بأن يَدْعُوَ جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرّم الله. وهكذا يجب على مَن بعده من العلماء أن يبلّغوا الناس ويبيّنوا لهم ما حرّم الله عليهم مما حلّ. قال الله تعالى:لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187]. وذكر ابن المبارك: أخبرنا عيسى بن عمر عن عمرو بن مُرة أنه حدّثهم قال: قال ربيع بن خَيْثم لجليس له: أيسرّك أن تؤتى بصحيفة من النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُفَكَّ خاتمها؟ قال نعم. قال فٱقرأ { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات. وقال كعب الأحبار: هذه الآية مفتتح التوراة: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآية. وقال ابن عباس: هذه الآيات المحكمات التي ذكرها الله في سورة «آل عمران» أجمعت عليها شرائع الخلق، ولم تنسخ قط في مِلّة. وقد قيل: إنها العشر كلمات المنزّلة على موسى. الرابعة ـ قوله تعالى: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } الإحسان إلى الوالدين بِرُّهما وحِفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرِّق عنهما وترك السّلطنة عليهما.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9