الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } لما ذكر الله عز وجل ما حرّم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم عقّب ذلك بذكر ما حرّم على اليهود لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم: إن الله لم يحرّم علينا شيئاً، وإنما نحن حرمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه. وقد تقدّم في «البقرة» معنى «هادوا». وهذا التحريم على الذين هادوا إنما هو تكليف بَلْوَى وعقوبة. فأوّل ما ذكر من المحرّمات عليهم كلّ ذي ظُفر. وقرأ الحسن «ظُفْر» بإسكان الفاء. وقرأ أبو السِّمَال «ظِفْر» بكسر الظاء وإسكان الفاء. وأنكر أبو حاتم كسر الظاء وإسكان الفاء، ولم يذكر هذه القراءة وهي لغة. «وظِفِر» بكسرهما. والجمع أظفار وأظفور وأظافير قاله الجوهرِيّ. وزاد النحاس عن الفراء أظافير وأظافرة قال ٱبن السِّكِّيت: يقال رجل أظفر بين الظَّفَر إذا كان طويل الأظفار كما يقال: رجل أشعر للطويل الشعر. قال مجاهد وقتادة: «ذِي ظُفُرٍ» ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير مثل الإبل والنَّعام والإِوَزِّ والبَطّ. وقال ٱبن زيد: الإبل فقط. وقال ٱبن عباس: «ذِي ظُفُرٍ» البعير والنعامة لأن النعامة ذات ظفر كالإبل. وقيل: يعني كل ذي مِخلب من الطير وذي حافر من الدواب. ويسمى الحافر ظفراً استعارة. وقال الترمِذيّ الحكيم: الحافر ظفر، والمِخلب ظفر إلا أن هذا على قدره، وذاك على قدره وليس ههنا ٱستعارة ألا ترى أن كليهما يُقص ويؤخذ منهما وكلاهما جنس واحد: عَظْمٌ ليِّن رِخْوٌ. أصله من غذاء ينبت فيُقَصّ مثل ظفر الإنسان، وإنما سمي حافراً لأنه يحفر الأرض بوقعه عليها. وسُمِّي مِخلَباً لأنه يخلب الطير برؤوس تلك الإبر منها. وسمِي ظُفْراً لأنه يأخذ الأشياء بظفره، أي يظفر به الآدمي والطير. الثانية: قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ } قال قتادة: يعني الثُّرُوب وشحم الكُلْيَتَيْن وقاله السدي. والثُّرُوب جمع الثَّرْب، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكَرِش. قال ٱبن جريج: حرم عليهم كل شحم غير مختلط بعظم أو على عظم، وأحل لهم شحم الجنب والألْية لأنه على العُصْعُص. الثالثة: قوله تعالى: { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } «ما» في موضع نصب على الاستثناء «ظُهُورُهُمَا» رفع بـ«ـحَمَلَتْ». { أَوِ ٱلْحَوَايَآ } في موضع رفع عطف على الظهور أي أو حملت حواياهما، والألف واللام بدل من الإضافة. وعلى هذا تكون الحوايا من جملة ما أحل. { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } «ما» في موضع نصب عطف على «مَا حَمَلَتْ» أيضاً هذا أصح ما قيل فيه. وهو قول الكسائِي والفراء وأحمد بن يحيـى. والنظر يوجب أن يعطف الشيء على ما يليه، إلا ألاَّ يصح معناه أو يدل دليل على غير ذلك.

السابقالتالي
2 3