الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

أخبر بخسرانهم لِوَأْدِهِم البنات وتحريمهم البَحِيرة وغيرها بعقولهم فقتلوا أولادهم سَفَهاً خوف الإملاق، وحجروا على أنفسهم في أموالهم ولم يخشُوا الإملاق فأبان ذلك عن تناقض رأيهم. قلت: إنه كان من العرب من يقتل ولده خَشْية الإملاق كما ذكر الله عز وجل في غير هذا الموضع. وكان منهم من يقتله سَفهاً بغير حجة منهم في قتلهم وهم ربيعة ومُضَر، كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحَمِيّة. ومنهم من يقول: الملائكة بنات الله فألحقوا البنات بالبنات. " ورُوِي أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك تكون محزوناً»؟ فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألاّ يغفره الله لي وإن أسلمتٰ فقال له: «أخبرني عن ذنبك». فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فوُلِدَت لي بِنت فتشفّعْت إليّ ٱمرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبِرْت وأدركتْ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلتني الحَمِيّة ولم يحتمل قلبي أن أزوّجها أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبِيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فٱبعثيها معي، فسُرّت بذلك وزينتها بالثياب والحُلِيّ، وأخذت عليّ المواثيق بألاّ أخونها، فذهبتُ بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطِنت الجارية أني أريد أن ألقِيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول: يا أبتٰ أيْشِ تريد أن تفعل بيٰ فرحمتها، ثم نظرتُ في البئر فدخلت عليّ الحمِيّة، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيّع أمانة أمِّي فجعلت مرةً أنظر في البئر ومرّة أنظر إليها فأرحمها، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسةً، وهي تنادي في البئر: يا أبت، قتلتني. فمكثتُ هناك حتى ٱنقطع صوتُها فرجعتُ. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال: «لو أُمِرْتُ أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك» ".