الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً } المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من ٱستمتاع بعضِهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غداً. ومعنى «نُوَلِّي» على هذا نجعل ولِيًّا. قال ابن زيد: نسلّط ظلمة الجِنّ على ظلمة الإنس. وعنه أيضاً: نسلّط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذِلّه. وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلّط الله عليه ظالماً آخر. ويدخل في الآية جميعُ مَن يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم. وقال فُضيل بن عِياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقِف، وٱنظر فيه متعجِّباً. وقال ٱبن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولَّى أمرهم خيارَهم، وإذا سخِط الله على قوم ولّى أمرهم شرارهم. وفي الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " من أعان ظالماً سلّطه الله عليه " وقيل: المعنى نَكِل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر، كما نَكِلهم غداً إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب. أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا. وقد قيل في قوله تعالى:نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } [النساء: 115]: نَكله إلى ما وَكَل إليه نفسه. قال ابن عباس: تفسيرها هو أن الله إذا أراد بقوم شرًّا وَلَّى أمرَهم شرارَهم. يدل عليه قوله تعالى:وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30].