قوله تعالى: { وَيَوْمَ نحْشُرُهُمْ } نصب على الفعل المحذوف، أي ويوم نحشرهم نقول. { جَمِيعاً } نصب على الحال. والمراد حشر جميع الخلق في موقف القيامة. { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } نداء مضاف. { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي من الاستمتاع بالإنس فحذف المصدر المضاف إلى المفعول، وحرف الجر يدل على ذلك قوله: { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } وهذا يردّ قول من قال: إن الجن هم الذين استمتعوا من الإنس لأن الإنس قبِلوا منهم. والصحيح أن كل واحد مستمتع بصاحبه. والتقدير في العربية: استمتع بعضنا بعضاً فاستمتاع الجن من الإنس أنهم تلذّذوا بطاعة الإنس إياهم، وتلذّذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زَنَوْا وشرِبوا الخمور بإغواءِ الجن إيّاهم. وقيل: كان الرجل إذا مَرّ بوادٍ في سفره وخاف على نفسه قال: أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحذر. وفي التنزيل{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً } [الجن: 6]. فهذا استمتاع الإنس بالجنّ. وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما كانوا يُلقون إليهم من الأراجيف والكهانة والسحر. وقيل: استمتاع الجن بالأنس أنهم يعترفون أن الجنّ يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يحذرون. ومعنى الآية تقريع الضالين والمضِلين وتوبيخهم في الآخرة على أعين العالمين. { وَبَلغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } يعني الموت والقبر، ووافينا نادمين. { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } أي موضع مقامكم. والمَثْوَى المُقام. { خَـٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } استثناء ليس من الأوّل. قال الزجاج: يرجع إلى يوم القيامة، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في الحساب فالاستثناء منقطع. وقيل: يرجع الاستثناء إلى النار، أي إلا ما شاء الله من تعذيبكم بغير النار في بعض الأوقات. وقال ٱبن عباس: الاستثناء لأهل الإيمان. فـ«ما» على هذا بمعنى مَن. وعنه أيضاً أنه قال: هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار. ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت، إذْ قد يُسلم. وقيل: «إلاّ ما شاء الله» من كونهم في الدنيا بغير عذاب. ومعنى هذه الآية معنى الآية التي في «هود». قوله:{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ } [هود:106] وهناك يأتي مستوفًى إنْ شاء الله. { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } أي في عقوبتهم وفي جميع أفعاله { عليم } بمقدار مجازاتهم.