الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فيه خمس مسائل: الأولى: روى أبو داود قال: جاءت اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله عز وجل { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } إلى آخر الآية. وروى النَّسائي عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } قال: خاصمهم المشركون فقالوا: ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه فقال الله سبحانه لهم: لا تأكلوا فإنكم لم تذكروا ٱسم الله عليها. وتنشأ هنا مسألة أصولية، وهي: الثانية: وذلك أن اللفظ الوارد على سبب هل يُقصر عليه أم لا فقال علماؤنا: لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما يذكره الشارع ابتداء من صِيَغ ألفاظ العموم. أما ما ذكره جواباً لسؤال ففيه تفصيل، على ما هو معروف في أصول الفقه إلا أنه إن أتى بلفظ مستقل دون السؤال لَحِق بالأوّل في صحة القصد إلى التعميم. فقوله: «لا تأكلوا» ظاهر في تناول الميتة، ويدخل فيه ما ذُكر عليه غير ٱسم الله بعمومِ أنه لم يذكر عليه ٱسم الله، وبزيادة ذكر غير اسم الله سبحانه عليه الذي يقتضي تحريمه نصًّا بقوله:وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [البقرة: 173]. وهل يدخل فيه ما ترك المسلم التسمية عمداً عليه من الذبح، وعند إرسال الصيد. اختلف العلماء في ذلك على أقوال خمسة، وهي المسألة: ـ الثالثة: القول الأوّل: إن تركها سهواً أكِلا جميعاً وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل. فإن تركها عمداً لم يؤكلا وقاله في الكتاب مالكٌ وابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابِه والثوريّ والحسن بن حيّ وعيسى وأَصْبَغَ، وقاله سعيد بن جُبير وعطاء، وٱختاره النحاس وقال: هذا أحسن لأنه لا يُسَمَّى فاسقاً إذا كان ناسياً. الثاني: إن تركها عامداً أو ناسياً يأكلهما. وهو قول الشافعي والحسن، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيّب وجابر بن زيد وعِكرمة وأبي عِياض وأبي رافع وطاوس وإبراهيم النَّخَعِيّ وعبد الرحمن بن أبي لَيْلى وقتادة. وحكى الزَّهْرَاوِيّ عن مالك بن أنس أنه قال: تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمداً أو نسياناً. وروى عن ربيعة أيضاً. قال عبد الوهاب: التسمية سنة فإذا تركها الذابح ناسياً أكلت الذبيحة في قول مالك وأصحابه. الثالث: إن تركها عامداً أو ساهياً حَرُم أكلها قاله محمد بن سِيرين وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن زيد الخَطْمِيّ والشعبيّ وبه قال أبو ثور وداود بن عليّ وأحمد في رواية.

السابقالتالي
2 3