الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }

قوله تعالى: { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ } هذا ذِكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من ٱعتقد لله شركاء من الجِن. قال النحاس: «الجن» مفعول أوّل، و«شركاء» مفعول ثان مثلوَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [المائدة: 20].وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } [المدثر: 12]. وهو في القرآن كثير. والتقدير: وجعلوا لله الجن شركاء. ويجوز أن يكون «الجن» بدلاً من شركاء، والمفعول الثاني «لله». وأجاز الكِسائيّ رفع «الجن» بمعنى هم الجن. { وَخَلَقَهُمْ } كذا قراءة الجماعة، أي خلق الجاعلين له شركاء. وقيل: خلق الجن الشركاء. وقرأ ٱبن مسعود «وهو خلقهم» بزيادة هو. وقرأ يحيـى بن يَعْمَر «وخلْقهم» بسكون اللام، وقال: أي وجعلوا خلقهم لله شركاء لأنهم كانوا يخلقون الشيء ثم يعبدونه. والآية نزلت في مشركي العرب. ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل رُوي ذلك عن الحسن وغيره. قال قَتادة والسُّدّيّ: هم الذين قالوا الملائكةُ بنات الله. وقال الكلبيّ: نزلت في الزنادقة، قالوا: إن الله وإبليس أخوان فالله خالق الناس والدواب، وإبليس خالق الجان والسباع والعقارب. ويقرب من هذا قول المجوس، فإنهم قالوا: للعالَم صانعان: إله قديم، والثاني شيطان حادث من فكرة الإلٰه القديم وزعموا أن صانع الشر حادث. وكذا الحائطية من المعتزلة من أصحاب أحمد بن حائط، زعموا أن للعالَم صانعين: الإلٰه القديم، والآخر محدث، خلقه الله عز وجل أوّلاً ثم فوّض إليه تدبير العالم وهو الذي يحاسب الخلق في الآخرة. تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون عُلُوًّا كبيراً. { وَخَرَّقُواْ } قراءة نافع بالتشديد على التكثير لأن المشركين ٱدّعوا أن لله بنات وهم الملائكة، وسَمَّوهم جِنًّا لاجتنانهم. والنصارى ٱدّعت المسيح ٱبنَ الله. واليهود قالت: عزير ٱبن الله، فكثُر ذلك من كفرهم فشُدّد الفعل لمطابقة المعنى. تعالى الله عما يقولون. وقرأ الباقون بالتخفيف على التقليل. وسئل الحسن البصريّ عن معنى «وخرّقوا له» بالتشديد فقال: إنما هو «وخَرَقوا» بالتخفيف، كلمة عربية، كان الرجل إذا كذب في النادي قيل: خَرَقها وربِّ الكعبة. وقال أهل اللغة: معنى «خَرقوا» اختلقوا وافتعلوا «وخرّقوا» على التكثير. قال مجاهد وقَتادة وابن زيد وابن جُريج: «خرقوا» كذبوا. ويقال: إن معنى خرق واخترق واختلق سواء أي أحدث.