الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل سورة النَّضِير وهم رهط من اليهود من ذُرّية هارون عليه السلام، نزلوا المدينة في فِتن بني إسرائيل انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكان من أمرهم ما نصّ الله عليه. الثانية ـ: قوله تعالى: { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } الحشرُ الجمعُ وهو على أربعة أوجه: حشران في الدنيا وحشران في الآخرة أما الذي في الدنيا فقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } قال الزهريّ: كانوا من سبطٍ لم يصبهم جلاء، وكان الله عز وجلّ قد كتب عليهم الجلاء فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أولُ حشْر حُشِروا في الدنيا إلى الشام. قال ابن عباس وعكرمة: من شك أن المحشر في الشام فليقرأ هذه الآية: وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: " «اخرجوا» قالوا إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر» " قال قتادة: هذا أوّل المحشر. قال ابن عباس: هم أول من حشر من أهل الكتاب وأُخرج من دياره. وقيل: إنهم أخرجوا إلى خَيْبر، وأن معنى { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخره إخراج عمر رضي الله عنه إياهم من خَيْبر إلى نجد وأذرِعات. وقيل تيماء وأريحاء، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم. وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة. قال قتادة: تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تَبِيت معهم حيث باتوا، وتَقِيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلّف. وهذا ثابت في الصحيح، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة. ونحوه روى ٱبن وهب عن مالك قال: قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم؟ فقال لي: الحشر يوم القيامة حشر اليهود. قال: وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه فاستحلهم بذلك. قال ابن العربيّ: للحشر أوّل ووسط وآخر فالأول إجلاء بني النضير، والأوسط إجلاء خيبر، والآخر حشر يوم القيامة. وعن الحسن: هم بنو قُرَيظة. وخالفه بقية المفسرين وقالوا: بنو قُرَيظة ما حُشروا ولكنهم قتلوا. حكاه الثعلبي. الثالثة ـ: قال الكيا الطبريّ: ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن، وإنما كان ذلك في أوّل الإسلام ثم نُسخ. والآن فلا بدّ من قتالهم أو سَبْيهم أو ضرب الجِزية عليهم.قوله تعالى: { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوّتهم في صدور المسلمين، واجتماع كلمتهم. { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم } قيل: هي الوَطيح والنَّطاة والسُّلالم والكَتيبة.

السابقالتالي
2 3