الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ } هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نُصْرتهم. وحَذَف حرف العطف، ولم يقل: كمثل الشيطان لأن حذف حرف العطف كثير كما تقول: أنت عاقل، أنت كريم، أنت عالم. وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن الإنسان الذي قال له الشيطان اكفر، راهبٌ تُركت عنده امرأة أصابها لَمَمٌ ليَدْعُوَ لها، فزيّن له الشيطان فوطئها فحملت، ثم قتلها خوفاً أن يفتضح، فدل الشيطان قومها على موضعها، فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه، فجاء الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم، فسجد له فتبرأ منه فأسلمه. ذكره القاضي إسماعيل وعليّ بن المدِيني عن سفيان بن عُيَيْنة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عُبيد بن رفاعة الزُّرَقِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وذكر خبره مطولاً ابنُ عباس ووهب بن مُنَبّه. ولفظهما مختلف. قال ابن عباس في قوله تعالى: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ }: كان راهب في الفَتْرة يقال له: برصيصا قد تعبّد في صَومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طَرْفة عين، حتى أعيا إبليس فجمع إبليس مردة الشياطين فقال: ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاء جبريل فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند فذلك قوله تعالى:ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [التكوير:20] فقال: أنا أكْفِيكَه فانطلق فتزيّا بزِيّ الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوماً، ولا يُفطر إلا في كل عشرة أيام وكان يواصل العشرة الأيام والعشرين والأكثر فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صَوْمعته فلما انفتل برصيصا من صلاته، رأى الأبيض قائماً يصلّي في هيئة الرهبان فندم حين لم يجبه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أن أكون معك، فأتأدّب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة فقال: إني في شغل عنك ثم أقبل على صلاته وأقبل الأبيض أيضاً على الصلاة فلما رأى برصيصا شدّة اجتهاده وعبادته قال له: ما حاجتك؟ فقال: أن تأذن لي فأرتفع إليك. فأذن له فأقام الأبيض معه حَوْلاً لا يفُطر إلا في كل أربعين يوماً يوماً واحداً، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوماً، وربما مدّ إلى الثمانين فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه. ثم قال الأبيض: عندي دعوات يَشْفِي الله بها السقيم والمبتلى والمجنون فعلّمه إياها. ثم جاء إلى إبليس فقال: قد والله أهلكت الرجل.

السابقالتالي
2 3 4 5