الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ } قيل: إن هذا في اليهود والمنافقين حسب ما قدمناه. وقيل: في المسلمين. قال ٱبن عباس: نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فيقول المؤمنون: لعلهم بلغهم عن إخواننا وقرابتنا من المهاجرين والأنصار قتل أو مصيبة أو هزيمة، ويسوءهم ذلك فكثرت شكواهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فنزلت. وقال مقاتل: كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة، فإذا مر بهم رجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شرًّا، فيعرج عن طريقه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا فنزلت. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب، فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهِمٍّ فيفزعون لذلك فنزلت. الثانية: " روى أبو سعيد الخدري قال: كنا ذات ليلة نتحدّث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذه النجوى ألم تُنهوا عن النجوى» فقلنا: تبنا إلى الله يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيخ ـ يعني الدجال ـ فرقاً منه. فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه» قلنا: بلى يا رسول الله قال: «الشرك الخفيّ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل» " ذكره الماوردي. وقرأ حمزة وخلف ورُوَيس عن يعقوب «وَيَنْتَجُونَ» في وزن يفتعلون وهي قراءة عبد الله وأصحابه. وقرأ الباقون «وَيَتَنَاجَوْنَ» في وزن يتفاعلون، وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى: { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } و { وَتَنَاجَوْاْ }. النحاس: وحكى سيبويه أن تفاعلوا وٱفتعلوا يأتيان بمعنى واحد، نحو تخاصموا وٱختصموا، وتقاتلوا وٱقتتلوا فعلى هذا «يَتَنَاجَوْنَ» و «يَنتجُون» واحد. ومعنى { بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } أي الكذب والظلم. { وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ } أي مخالفته. وقرأ الضحاك ومجاهد وحميد «وَمَعْصِيَاتِ الرَّسُول» بالجمع. الثالثة: قوله تعالى: { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } لا خلاف بين النقلة أن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقولون: السام عليك. يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً، فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " عليكم " في رواية، وفي رواية أخرى " وعليكم " قال ٱبن العربي: وهي مشكلة. وكانوا يقولون: لو كان محمد نبيّاً لما أمهلنا الله بسبّه والاستخفاف به، وجهلوا أن الباري تعالى حليم لا يعاجل من سبّه، فكيف من سبّ نبيه. وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا أحدَ أصبر على الأذى من الله يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم "

السابقالتالي
2 3