الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

فيه ٱثنتا عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } هذا ٱبتداء والخبر { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وحذف عليهم لدلالة الكلام عليه أي فعليهم تحرير رقبة. وقيل: أي فكفارتهم عتق رقبة. والمجمع عليه عند العلماء في الظهار قول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } فمن قال هذا القول حرم عليه وطء ٱمرأته. فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار لقوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العَوْد، وهذا حرف مشكل ٱختلف الناس فيه على أقوال سبعة: الأوّل: أنه العزم على الوطء، وهو مشهور قول العراقيين أبي حنيفة وأصحابه. وروي عن مالك: فإن عزم على وطئها كان عَوْداً، وإن لم يعزم لم يكن عَوْداً. الثاني: العزم على الإمساك بعد التظاهر منها قاله مالك. الثالث: العزم عليهما. وهو قول مالك في موطئه قال مالك في قول الله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من ٱمرأته ثم يجمع على إصابتها وإمساكها فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلّقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه. قال مالك: وإن تزوّجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفّر كفارة التظاهر. القول الرابع: أنه الوطء نفسه فإن لم يطأ لم يكن عَوْداً قاله الحسن ومالك أيضاً. الخامس: وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق لأنه لما ظاهر قصد التحريم، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ٱبتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه. وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة. السادس: أن الظهار يوجب تحريماً لا يرفعه إلا الكفارة. ومعنى العَود عند القائلين بهذا: أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها، قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد. السابع: هو تكرير الظهار بلفظه. وهذا قول أهل الظاهر النافين للقياس، قالوا: إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العَوْد، وإن لم يكرر فليس بِعَود. ويسند ذلك إلى بكير بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة أيضاً، وهو قول الفراء. وقال أبو العالية: وظاهر الآية يشهد له لأنه قال: { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي إلى قول ما قالوا. وروى عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس في قوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } هو أن يقول لها أنت عليّ كظهر أمي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7