الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

فيه ثلاث وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ } قرأ ٱبن عامر وحمزة والكسائي وخلف «يظَّاهُرونَ» بفتح الياء وتشديد الظاء وألف. وقرأ نافع وٱبن كثير وأبو عمرو ويعقوب «يَظَّهّرُونَ» بحذف الألف وتشديد الهاء والظاء وفتح الياء. وقرأ أبو العالية وعاصم وزِرّ بن حُبَيش «يُظاهِرُونَ» بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وكسر الهاء. وقد تقدّم هذا في «الأحزاب». وفي قراءة أبَي «يَتَظَاهَرُونَ» وهي معنى قراءة ٱبن عامر وحمزة. وذِكر الظهر كناية عن معنى الركوب، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنّي عنه بالظهر لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره، فكنّي بالظهر عن الركوب. ويقال: نزل عن ٱمرأته أي طلقها كأنه نزل عن مركوب. ومعنى أنت عليّ كظهر أمّي: أي أنت عليّ محرّمة لا يحلّ لي ركوبك. الثانية: حقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر، والموجب للحكم منه تشبيه ظهرٍ محلل بظهرٍ محرّم ولهذا أجمع الفقهاء على أن من قال لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي أنه مظاهر. وأكثرهم على أنه إن قال لها: أنت عليّ كظهر ٱبنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم أنه مظاهر. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما. وٱختلف فيه عن الشافعي رضي الله عنه فروي عنه نحو قول مالك لأنه شبّه ٱمرأته بظهر محرّم عليه مؤبَّد كالأم. وروى عنه أبو ثور: أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. وهو مذهب قتادة والشعبي. والأوّل قول الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري. الثالثة: أصل الظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. وإنما ذكر الله الظهر كناية عن البطن وستراً. فإن قال: أنت عليّ كأمي ولم يذكر الظهر، أو قال: أنت عليّ مثل أمي فإن أراد الظهار فله نيته، وإن أراد الطلاق كان مطلقاً الْبَتَّة عند مالك، وإن لم تكن له نية في طلاق ولا ظهار كان مظاهراً. ولا ينصرف صريح الظهار بالنية إلى الطلاق كما لا ينصرف صريح الطلاق وكنايته المعروفة له إلى الظهار، وكناية الظهار خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق الْبَتّ. الرابعة: ألفاظ الظهار ضربان: صريح وكناية فالصريح أنت عليّ كظهر أمي، وأنت عندي وأنتِ مني وأنتِ معي كظهر أمي. وكذلك أنت عليّ كبطن أمي أو كرأسها أو فرجها أو نحوه، وكذلك فرجك أو رأسك أو ظهرك أو بطنك أو رجلك عليّ كظهر أمي فهو مظاهر مثل قوله: يدك أو رجلك أو رأسك أو فرجك طالق تطلق عليه. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يكون ظهاراً. وهذا ضعيف منه لأنه قد وافقنا على أنه يصح إضافة الطلاق إليه خاصة حقيقة خلافاً لأبي حنيفة فصح إضافة الظهار إليه. ومتى شبهها بأمه أو بإحدى جداته من قبل أبيه أو أمه فهو ظهار بلا خلاف.

السابقالتالي
2 3 4 5