الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } قال قتادة: هم المنافقون توَّلُوا اليهود { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } يقول: ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين بل هم مذبذبون بين ذلك، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم. قال السّدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن نَبْتَل المنافقَيْن كان أحدهما يجالس النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، " فبينا النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال:«يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان»فدخل عبد الله بن نبتل ـ وكان أزرق أسمر قصيراً خفيف اللحية ـ فقال عليه الصلاة والسلام: «علام تشتمني أنت وأصحابك» فحلف بالله ما فعل ذلك. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فعلت»فآنطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت هذه الآية " وقال معناه ٱبن عباس. روى عِكرمة عنه قال: " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه إذ قال: «يجيئكم الساعة رجل أزرق ينظر إليكم نظر شيطان» فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق، فدعا به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «علام تشتمني أنت وأصحابك» قال: دعني أجيئك بهم. فمرّ فجاء بهم فحلفوا جميعاً أنه ما كان من ذلك شيء فأنزل الله عز وجل: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } إلى قوله: { هُمُ الخَاسِرُونَ } " واليهود مذكورون في القرآن بـ { غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم }. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } أي لهؤلاء المنافقين { عَذَاباً شَدِيداً } في جهنم وهو الدرك الأسفل. { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بئس الأعمال أعمالهم { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } يستجِنُّون بها من القتل. وقرأ الحسن وأبو العالية «إِيمَانَهُمْ» بكسر الهمزة هنا وفي «الْمُنَافقون». أي إقرارهم ٱتخذوه جنة، فآمنت ألسنتهم من خوف القتل، وكفرت قلوبهم { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار.والصدّ المنع { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي عن الإسلام. وقيل: في قتلهم بالكفر لما أظهروه من النفاق. وقيل: أي بإلقاء الأراجيف وتثبيط المسلمين عن الجهاد وتخويفهم.