الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } العامل في «يَوْمَ» { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }. وقيل: هو بدل من اليوم الأول. { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ } قراءة العامة بوصل الألف مضمومة الظاء من نظر والنظر الانتظار أي ٱنتظرونا. وقرأ الأعمش وحمزة ويحيـى بن وثّاب «أَنْظِرُونَا» بقطع الألف وكسر الظاء من الإنظار. أي أمهلونا وأخرونا أنظرته أخرته، وٱستنظرته أي ٱستمهلته. وقال الفراء: تقول العرب: أنظِرني ٱنتظرني وأنشد لعمرو بن كُلْثوم:
أبا هِندٍ فلا تَعْجلْ عَلَيْنَا   وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ الْيقِينَا
أي ٱنتظرنا. { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي نستضيء من نوركم. قال ٱبن عباس وأبو أمامة: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة ـ قال الماوردي: أظنها بعد فصل القضاء ـ ثم يعطون نوراً يمشون فيه. قال المفسرون: يعطي الله المؤمنين نوراً يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم دليله قوله تعالى:وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142]. وقيل: إنما يعطون النور لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه قاله ٱبن عباس. وقال أبو أمامة: يعطي المؤمن النور ويترك الكافر والمنافق بلا نور. وقال الكلبي: بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور، فبينما هم يمشون إذ بعث الله فيهم ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين فذلك قوله تعالى: { رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } يقوله المؤمنون خشية أن يُسلبوه كما سلبه المنافقون، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين: { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ }. { قِيلَ ٱرْجِعُواْ ورَاءَكُمْ } أي قالت لهم الملائكة «ٱرْجِعُوا». وقيل: بل هو قول المؤمنين لهم { ٱرْجِعُواْ وَرَاءَكُم } إلى الموضع الذي أخذنا منه النور فاطلبوا هنالك لأنفسكم نوراً فإنكم لا تقتبسون من نورنا. فلما رجعوا وانعزلوا في طلب النور { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } ، وقيل: أي هلاّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا. «بِسُورٍ» أي سُورٌ والباء صلة. قاله الكسائي. والسُّور حاجز بين الجنة والنار. وروي أن ذلك السُّور ببيت المَقْدس عند موضع يعرف بوادي جهنم. { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } يعني ما يلي منه المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني ما يلي المنافقين. قال كعب الأحبار: هو الباب الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة. وقال عبد الله بن عمرو: إنه سُور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني جهنم. ونحوه عن ٱبن عباس. وقال زياد ابن أبي سوادة: قام عبادة بن الصامت على سُور بيت المقدس الشرقي فبكى، وقال: من ههنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم. وقال قتادة: هو حائط بين الجنة والنار «بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ» يعني الجنة { وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ ٱلْعَذَاب } يعني جهنم. وقال مجاهد: إنه حجاب كما في «الأعراف» وقد مضى القول فيه.

السابقالتالي
2