الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي أيُّ شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، وفيما يقرِّبكم من ربكم وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى الله تعالى. فمعنى الكلام التوبيخ على عدم الإنفاق. { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي إنهما راجعتان إليه بٱنقراض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق له. الثانية: قوله تعالى: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح فتح مكة. وقال الشعبيّ والزهريّ: فتح الحُدَيْبية. قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك. وفي الكلام حذف أي { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل فحذف لدلالة الكلام عليه. وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام، وفِعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشقّ والأجر على قدر النَّصَب. والله أعلم. الثالثة: روي أشهب عن مالك قال: ينبغي أن يُقدَّم أهل الفضل والعزم وقد قال الله تعالى: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } وقال الكلبي: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه لأنه أوّل من أسلم. وعن ٱبن مسعود: أوّل من أظهر الإسلام بسيفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ولأنه أوّل من أنفق على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. " وعن ابن عمر قال: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خَلَّلها في صدره بخِلاَل فنزل جبريل فقال: يا نبيّ اللهٰ مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلَّلها في صدره بخِلاَل؟ فقال: «قد أنفق عليّ ماله قبل الفتح» قال: فإن الله يقول لك ٱقرأ على أبي بكر السلام وقل له أراضٍ أنت في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول أراضٍ أنت في فقرك هذا أم ساخط»؟ فقال أبو بكر: أأسخط على ربي؟ إني عن ربِّي لراضٍ إنّي عن ربّي لراضٍ إني عن ربي لراضٍ قال: «فإن الله يقول لك قد رضيت عنك كما أنت عني راضٍ» فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام: والذي بعثك يا محمد بالحقّ، لقد تَخلَّلت حملةُ العرش بالعُبِيّ منذ تَخلّل صاحبك هذا بالعباءة " ولهذا قدّمته الصحابة على أنفسهم، وأقرُّوا له بالتقدّم والسبق.

السابقالتالي
2