الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } ذكر طبقات الخلق عند الموت وعند البعث، وبيّن درجاتهم فقال: { فَأَمَّآ إِن كَانَ } هذا المتوفَّى { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } وهم السابقون. { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ } وقراءة العامة «فَرَوْحٌ» بفتح الراء ومعناه عند ٱبن عباس وغيره: فراحة من الدنيا. وقال الحسن: الرَّوْح الرحمة. الضحاك: الرَّوْح الاستراحة. القُتَبِيّ: المعنى له في القبر طيب نسيم. وقال أبو العباس بن عطاء: الرّوح النظر إلى وجه الله، والريحان الاستماع لكلامه ووحيه، { وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ } هو ألا يُحجب فيها عن الله عز وجل. وقرأ الحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجَحْدريّ ورُوَيس وزيد عن يعقوب «فَرُوحٌ» بضم الراء، ورويت عن ابن عباس. قال الحسن: الرُّوح الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم. وقالت عائشة رضي الله عنها: قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم «فَرُوحٌ» بضم الراء ومعناه فبقاء له وحياة في الجنة وهذا هو الرحمة. «وَرَيْحَانٌ» قال مجاهد وسعيد بن جبير: أي رزق. قال مقاتل: هو الرزق بلغة حمير يقال: خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه قال النَّمِر بن تَوْلَب:
سَلاَمُ الإلٰهِ ورَيْحَانُ   ورحمتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ
وقال قتادة: إنه الجنة. الضحاك: الرحمة. وقيل هو الريحان المعروف الذي يشم. قاله الحسن وقتادة أيضاً. الربيع بن خَيْثم: هذا عند الموت والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث. أبو الجوزاء: هذا عند قبض روحه يتلقَّى بضَبَائر الرَّيْحَان. أبو العالية: لا يفارق أحد رُوحه من المقرّبين في الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان فيشمهما ثم يقبض روحه فيهما، وأصل ريحان وٱشتقاقه تقدم في أوّل سورة «الرحمن» فتأمله. وقد سرد الثعلبي في الرَّوْحِ والريَّحْان أقوالاً كثيرةً سوى ما ذكرنا من أرادها وجدها هناك. قوله تعالى: { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي «إِنْ كَانَ» هذا المتوفَّى { مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي لست ترى منهم إلا ما تحبّ من السلامة فلا تهتم لهم، فإنهم يسلمون من عذاب الله. وقيل: المعنى سلام لك منهم أي أنت سالم من الاغتمام لهم. والمعنى واحد. وقيل: أي إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلّي الله عليك ويسلم. وقيل: المعنى إنهم يسلمون عليك يا محمد. وقيل: معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين فحذف إنك. وقيل: إنه يُحيَّا بالسلام إكراماً فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل: أحدها عند قبض روحه في الدنيا يسلّم عليه مَلَك الموت قاله الضحاك. وقال ٱبن مسعود: إذا جاء مَلَك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام. وقد مضى هذا في سورة «النحل» عند قوله تعالى:ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } [النحل:32]. الثاني عند مساءلته في القبر يسلّم عليه منكر ونكير.

السابقالتالي
2