الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } «لا» صلة في قول أكثر المفسرين، والمعنى فأقسم بدليل قوله: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ }. وقال الفراء: هي نفي، والمعنى ليس الأمر كما تقولون، ثم ٱستأنف «أُقْسِمُ». وقد يقول الرجل: لا والله ما كان كذا فلا يريد به نفي اليمين، بل يريد به نفي كلام تقدّم. أي ليس الأمر كما ذكرت، بل هو كذا. وقيل: «لا» بمعنى أَلاَ للتنبيه كما قال:
أَلاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّها الطَّلَلُ الْبَاليِ   
ونبه بهذا على فضيلة القرآن ليتدبروه، وأنه ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة كما زعموا. وقرأ الحسن وحميد وعيسى بن عمر «فَلأُقْسِمُ» بغير ألف بعد اللام على التحقيق وهو فعل حالٍ ويقدر مبتدأ محذوف، التقدير: فلأنا أقسم بذلك. ولو أريد به الاستقبال للزمت النون، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال وهو شاذ. الثانية: قوله تعالى: { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } مواقع النجوم مساقطها ومغاربها في قول قتادة وغيره. عطاء بن أبي رَبَاح: منازلها. الحسن: ٱنكدارها وٱنتثارها يوم القيامة. الضحاك: هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مُطِروا قالوا مُطِرنا بنَوْء كذا. الماوردي: ويكون قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } مستعملاً على حقيقته من نفي القسم. القشيري: هو قسم، ولله تعالى أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة. قلت: يدل على هذا قراءة الحسن «فَلأُقْسِمُ» وما أقسم به سبحانه من مخلوقاته في غير موضع من كتابه. وقال ٱبن عباس: المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوماً، أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السَّفَرة الكاتبين، فنجّمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث من أمته حكاه الماوردي عن ٱبن عباس والسّدي. وقال أبو بكر الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا حجّاج بن المِنهال حدثنا همّام عن الكلبي عن أبي صالح عن ٱبن عباس قال: نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل إلى الأرض نجوماً، وفرق بعد ذلك خمس آيات خمس آيات وأقل وأكثر، فذلك قول الله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }. وحكى الفراء عن ٱبن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن. وقرأ حمزة والكِسائي «بِمَوْقِعِ» على التوحيد، وهي قراءة عبد الله بن مسعود والنَّخَعي والأعمش وٱبن مُحيصن ورُوَيس عن يعقوب. الباقون على الجمع فمن أفرد فلأنه ٱسم جنس يؤدي الواحد فيه عن الجمع، ومن جمع فلاختلاف أنواعه. الثالثة: قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } قيل: إن الهاء تعود على القرآن أي إن القرآن لقسم عظيم، قاله ٱبن عباس وغيره.

السابقالتالي
2 3