الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } * { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } لتحيوا به أنفسكم، وتسكنوا به عطشكم، لأن الشراب إنما يكون تبعاً للمطعوم، ولهذا جاء الطعام مقدماً في الآية قبلُ، ألا ترى أنك تسقي ضيفك بعد أن تطعمه. الزمخشري: ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء:
إذا سُقِيَتْ ضُيوفُ الناسِ مَحْضاً   سَقَوْا أضيافَهمْ شَبِماً زُلاَلاَ
وسُقِي بعضُ العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثَمِيلة. { أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } أي السَّحاب، الواحدة مُزْنة فقال الشاعر:
فنحنُ كماءِ الْمُزْنِ ما في نِصَابِنَا   كَهَامٌ ولا فينا يُعَدُّ بَخِيلُ
وهذا قول ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما أن المُزْن السَّحاب. وعن ٱبن عباس أيضاً والثوري: المُزْن السّماء والسّحاب. وفي الصّحاح: أبو زيد: المُزْنة السّحابة البيضاء والجمع مُزْن، والمُزْنة المَطْرَة قال:
ألم تَرَ أن الله أَنْزَلَ مُزْنةً   وعُفْرُ الظِّبَاءِ في الكِنَاسِ تَقَمَّعُ
{ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } أي فإذا عرفتم بأني أنزلته فَلِمَ لا تشكروني بإخلاص العبادة لي؟ ولَمِ تنكرون قدرتي على الإعادة؟. { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } أي ملحاً شديد الملوحة قاله ٱبن عباس. الحسن: مرًّا قُعَاعاً لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما. { فَلَوْلاَ } أي فهلاّ تشكرون الذي صنع ذلك بكم. قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } أي أخبروني عن النار التي تظهرونها بالقَدْح من الشجر الرَّطْب { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } يعني التي تكون منها الزِّناد وهي المَرْخُ والعَفَار ومنه قولهم: في كلّ شجرٍ نار، وٱسْتَمْجدَ المَرْخُ والعَفَار أي ٱستكثر منها، كأنهما أخذا من النار ما هو حَسْبهما. ويقال: لأنهما يُسِرعان الْوَرْيَ. يقال: أوْرَيت النار إذا قدحتها. وورَى الزَّنَدُ يَرِى إذا ٱنقدح منه النار. وفيه لغة أخرى: ووَرِي الزَّندُ يَرِى بالكسر فيهما. { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } أي المخترعون الخالقون أي فإذا عرفتم قدرتي فٱشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث. قوله تعالى: { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } يعني نار الدنيا موعظة للنار الكبرى قاله قتادة. ومجاهد: تبصرة للناس من الظلام. وصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إن ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم» فقالوا يا رسول الله: أن كانت لكافية قال: «فإنها فضَلَت عليها بتسعة وستين جُزْءاً كلّهنّ مثل حَرِّها» " { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } قال الضحاك: أي منفعة للمسافرين سمّوا بذلك لنزولهم القَوَى وهو القفر. الفراء: إنما يقال للمسافرين: مُقْوين إذا نزلوا القِيّ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها. وكذلك القَوَى والقَوَاء بالمدّ والقصر، ومنزلٌ قَواء لا أنيس به يقال: أَقْوت الدارُ وقَوِيت أيضاً أي خلت من سكانها قال النابغة:
يا دارَ مَيَّةَ بالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ   أَقْوَتْ وطال عَليها سَالفُ الأَمَدِ
وقال عنترة:
حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ   أَقْوَى وَأَقْفَر بَعد أُمِّ الْهَيْثَمِ

السابقالتالي
2