الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } * { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } * { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } * { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ }

قوله تعالى: { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } ذكر منازل أهل النار وسماهم أصحاب الشمال، لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم، ثم عظّم ذكرهم في البلاء والعذاب فقال: { مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } { فِي سَمُومٍ } والسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن. والمراد هنا حرّ النار ولفحها. { وَحَمِيمٍ } أي ماء حار قد ٱنتهى حره، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفىء به الحر فيجده حميماً حارًّا في نهاية الحرارة والغليان. وقد مضى في «القتال»وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد:15]. { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } أي يفزعون من السَّموم إلى الظلّ كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلاً من يَحْموم أي من دخان جهنم أسود شديد السواد. عن ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما. وكذلك اليَحْموم في اللغة: الشديد السواد وهو يَفْعول من الحَمّ ومن الشَّحْم المسودّ بٱحتراق النار. وقيل: هو مأخوذ من الحُمَم وهو الفحم. وقال الضحاك: النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود. وعن ٱبن عباس أيضاً: النار سوداء. وقال ٱبن زيد: اليَحْموم جبل في جهنم يستغيث إلى ظله أهل النار. { لاَّ بَارِدٍ } بل حار لأنه من دخان شفير جهنم. { وَلاَ كَرِيمٍ } عذب عن الضحاك. وقال سعيد بن المسيّب: ولا حسن منظره، وكل ما لا خير فيه فليس بكريم. وقيل: «وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ» أي من النار يُعذَّبون بها كقوله تعالى:لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر:16]. { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أي إنما ٱستحقوا هذه العقوبة لأنهم كانوا في الدنيا متنعمين بالحرام. والمتَرف المنعَّم عن ٱبن عباس وغيره. وقال السديّ: «مُتْرَفِينَ» أي مشركين. { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي يقيمون على الشرك عن الحسن والضحاك وٱبن زيد. وقال قتادة ومجاهد: الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه. الشعبي: هو اليمين الغَمُوس وهي من الكبائر يقال: حَنِث في يمينه أي لم يَبَرَّها ورجع فيها. وكانوا يقسمون أن لا بعث، وأن الأصنام أنداد الله فذلك حِنْثهم قال الله تعالى مخبراً عنهم:وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل:38]. وفي الخبر: كان يَتحنَّث في حِرَاء أي يفعل ما يسقط عن نفسه الْحِنث وهو الذنب. { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا } هذا ٱستبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له فقال الله تعالى: { قُلْ } لهم يا محمد { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ } من آبائكم { وَٱلآخِرِينَ } منكم { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } يريد يوم القيامة. ومعنى الكلام القسَم ودخول اللام في قوله تعالى: «لَمَجْمُوعُونَ» هو دليل القسم في المعنى أي إنكم لمجموعون قسَماً حقاً خلاف قسمكم الباطل { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ } عن الهدى { ٱلْمُكَذِّبُونَ } بالبعث { لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } وهو شجر كريه المنظر، كريه الطّعم، وهي التي ذكرت في سورة

السابقالتالي
2