الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } * { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } * { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } * { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } * { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } * { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } * { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } * { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } * { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } * { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } * { عُرُباً أَتْرَاباً } * { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }

قوله تعالى: { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة وهم السابقون على ما تقدّم، والتكرير لتعظيم شأن النعيم الذي هم فيه. { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } أي في نبق قد خُضد شوكه أي قطع قاله ٱبن عباس وغيره. وذكر ٱبن المبارك: حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال: " كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولون: إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يوماً فقال: يا رسول اللهٰ لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذيةً، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وما هي» قال: السِّدر فإن له شوكاً مؤذياً فقال صلى الله عليه وسلم: «أو ليس يقول { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } خَضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمراً يفتق الثمر منها عن ٱثنين وسبعين لوناً من الطعام ما فيه لون يشبه الآخر» " وقال أبو العالية والضحاك: نظر المسلمون إلى وَجٍّ وهو وادٍ بالطائف مخصب فأعجبهم سِدره، فقالوا: يا ليت لنا مثل هذا فنزلت. قال أمية بن أبي الصَّلْت يصف الجنة:
إنّ الحدائقَ في الجِنانِ ظليلةٌ   فيها الْكَواعِبُ سِدْرُها مَخْضودُ
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } وهو الموقر حملاً. وهو قريب مما ذكرنا في الخبر. سعيد بن جبير: ثمرها أعظم من القِلال. وقد مضى هذا في سورة «النجم» عند قوله تعالى:عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم:14] وأن ثمرها مثل قلال هَجَر من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطَّلْح شجر الموز واحده طلحة. قاله أكثر المفسرين عليّ وٱبن عباس وغيرهم. وقال الحسن: ليس هو موز ولكنه شجر له ظل بارد رطب. وقال الفراء وأبو عبيدة: شجر عظام له شوك قال بعض الحداة وهو الجعدي:
بَشَّرَهَا دَليلُها وقَالاَ   غداً تَرْينَ الطَّلْحَ والأَحْبَالاَ
فالطَّلْح كلّ شجر عظيم كثير الشوك. الزجاج: يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. وقال الزجاج أيضاً: كشجر أم غيلان له نَوْر طيّب جداً فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. وقال السدي: طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل. وقرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «وَطلْعٍ مَنْضُودٍ» بالعين وتلا هذه الآيةوَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } وهو خلاف المصحف. في رواية أنه قرىء بين يديه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } فقال: ما شأن الطلح؟ إنما هو «وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ» ثم قال: «لَهَا طَلْعٌ نَضَيدٌ» فقيل له: أفلا نحوّلها؟ فقال: لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحوَّل. فقد ٱختار هذه القراءة ولم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رَسْمه مجمَع عليه.

السابقالتالي
2 3 4