الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } * { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } * { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } * { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } * { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً }

قوله تعالى: { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي قامت القيامة، والمراد النفخة الأخيرة. وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب. وقيل: لكثرة ما يقع فيها من الشدائد. وفيه إضمار، أي ٱذكروا إذا وقعت الواقعة. وقال الجرجاني: «إِذا» صلة أي وقعت الواقعة كقوله:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر:1] وأَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل:1] وهو كما يقال: قد جاء الصوم أي دنا وٱقترب. وعلى الأوّل «إِذَا» للوقت، والجواب قوله: { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ }. { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر كقوله تعالى:لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [الغاشية:11] أي لغو، والمعنى لا يسمع لها كذب قاله الكسائي. ومنه قول العامة: عائذاً بالله أي معاذ الله، وقم قائماً أي قم قياماً. ولبعض نساء العرب ترقِّصُ ٱبنها:
قُمْ قائماً قُمْ قَائمَا   أصبت عبداً نائمَا
وقيل: الكاذبة صفة والموصوف محذوف، أي ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة أي كل من يخبر عن وقعتها صادق. وقال الزجاج: «لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ» أي لا يردها شيء. ونحوه قول الحسن وقتادة. وقال الثوريّ: ليس لوقعتها أحد يكذّب بها. وقال الكسائيّ أيضاً: ليس لها تكذيب أي ينبغي ألا يكذّب بها أحد. وقيل: إن قيامها جِدٌّ لا هزْلَ فيه. قوله تعالى: { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال عِكرمة ومقاتل والسُّدِّي: خفضت الصوت فأسمعتْ من دنا ورفعتْ من نأى يعني أسمعت القريب والبعيد. وقال السُّدِّي: خفضت المتكبرّين ورفعت المستضعفين. وقال قتادة: خفضت أقواماً في عذاب الله، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة. وقال محمد بن كعب: خفضت أقواماً كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت أقواماً كانوا في الدنيا مخفوضين. وقال ٱبن عطاء: خفضت أقواماً بالعدل، ورفعت آخرين بالفضل. والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة، والعز والمهانة. ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسُّعاً ومجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل يقولون: ليلٌ نائمٌ ونهار صائم. وفي التنزيل:بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سبأ:33] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده فرفع أولياءه في أعلى الدرجات، وخفض أعداءه في أسفل الدركات. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } بالنصب. الباقون بالرفع على إضمار مبتدإ، ومن نصب فعلى الحال. وهو عند الفراء على إضمار فعل والمعنى: { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ـ وقعت: { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ }. والقيامة لا شك في وقوعها، وأنها ترفع أقواماً وتضع آخرين على ما بيّناه. قوله تعالى: { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي زُلزلت وحُركت عن مجاهد وغيره يقال: رَجّه يَرُجّه رجًّا أي حركه وزلزله. وناقة رجّاءُ أي عظيمة السَّنَام.

السابقالتالي
2