الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

قوله تعالى: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي غلمان لا يموتون قاله مجاهد. الحسن والكلبيّ: لا يَهْرَمون ولا يتغيرون ومنه قول ٱمرىء القيس:
وهَلْ يَنْعَمنْ إِلاّ سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ   قَلِيلُ الْهُمُومِ ما يَبِيتُ بِأَوجَالِ
وقال سعيد بن جبير: مُخلَّدون مُقرَّطون يقال للقُرْط الخلَدَة ولجماعة الحُلِيّ الْخِلْدَة. وقيل: مسوّرون ونحوه عن الفراء قال الشاعر:
ومخلَّداتٌ بِاللُّجينِ كَأَنَّمَا   أعْجَازُهُنَّ أَقاوِزُ الْكُثْبَانِ
وقيل: مقرّطون يعني ممنطقون من المناطق. وقال عكرمة: «مُخَلَّدُونَ» منعَّمون. وقيل: على سنّ واحدة أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم كما شاء من غير ولادة. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري: الولدان ههنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة. وقال سلمان الفارسيّ: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن: لم يكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا في هذا الموضع. والمقصود: أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم بآحتفاف الخدم والولدان بالإنسان. { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } أكواب جمع كوب وقد مضى في «الزخرف» وهي الآنية التي لا عُرى لها ولا خراطيم، والأباريق التي لها عُرى وخراطيم واحدها إبريق سُمِّيَ بذلك لأنه يبرق لونه من صفائه. { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } مضى في «والصافات» القول فيه. والمعين الجاري من ماء أو خمر غير أن المراد في هذا الموضع الخمر الجارية من العيون. وقيل: الظاهرة للعيون فيكون «معين» مفعولاً من المعاينة. وقيل: هو فعيل من المَعْن وهو الكثرة. وبيّن أنها ليست كخمر الدنيا التي تستخرج بعصر وتكلّف ومعالجة. قوله تعالى: { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي لا تنصدع رؤوسهم من شربها أي إنها لذة بلا أذًى بخلاف شراب الدنيا. { وَلاَ يُنزِفُونَ } تقدم في «والصافات» أي لا يسكرون فتذهب عقولهم. وقرأ مجاهد: { لاَّ يُصَدَّعُونَ } بمعنى لا يتصدّعون أي لا يتفرقون كقوله تعالى:يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم:43]. وقرأ أهل الكوفة «يَنْزِفُونَ» بكسر الزاي أي لا ينفد شرابهم ولا تفنى خمرهم ومنه قول الشاعر:
لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفتُم أو صَحَوْتُمُ   لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنتمُ آل أَبْجَرَا
وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال: في الخمر أربع خصال: السُّكْر والصُّداع والقيء والبول، وقد ذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال. قوله تعالى: { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } أي يتخيرون ما شاؤوا لكثرتها. وقيل: وفاكهة متخيرة مرضية، والتخير الاختيار. { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ قال: «ذاك نهر أعطانيه الله تعالى ـ يعني في الجنة ـ أشدّ بياضاً من اللبن، أحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزُر» " قال عمر: إن هذه لناعِمةٌ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3