الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ }

قوله تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } الرفرف المحابس. وقال ٱبن عباس: الرفرف فضول الفرش والبسط. وعنه أيضاً: الرفرف المحابس يتكئون على فضولها وقاله قتادة. وقال الحسن والقرظي: هي البسط. وقال ٱبن عيينة: هي الزرابي. وقال ٱبن كيسان: هي المرافق وقاله الحسن أيضاً. وقال أبو عبيدة: هي حاشية الثوب. وقال الليث: ضرب من الثياب الخضر تبسط. وقيل: الفُرُش المرتفعة. وقيل: كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف. قال ٱبن مقبل:
وإنّا لنَزَّالونَ تَغْشَى نِعَالُنَا   سَوَاقِطَ من أصناف رَيْطٍ ورفرفِ
وهذه أقوال متقاربة. وفي الصحاح: والرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس، الواحدة رَفْرَفة. وقال سعيد بن جبير وٱبن عباس أيضاً: الرفرف رياض الجنة وٱشتقاق الرفرف من رَفَّ يَرف إذا ٱرتفع ومنه رَفْرَفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء. وربما سموا الظَّلِيم رَفْرافاً بذلك لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو. ورفرف الطائر أيضاً إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه. والرفرف أيضاً كِسَر الخباء وجوانب الدِّرْع وما تدلى منها الواحدة رَفْرَفة. وفي الخبر في وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم: فرفَع الرفرفَ فرأينا وجهه كأنه وَرَقةً تُخَشْخِش أي رفع طرف الفسطاط. وقيل: أصل الرفرف من رَفَّ النبتُ يَرِفّ إذا صار غضًّا نضيراً حكاه الثعلبي. وقال القتبي: يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النَّعمة والغَضَاضة حتى كاد يهتز: رَفّ يرِفّ رفيفاً حكاه الهروي. وقد قيل: إن الرفرف شيء إذا ٱستوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمِرْجاح يميناً وشمالاً ورفعاً وخفضاً يتلذذ به مع أنيسته قاله الترمذيّ الحكيم في نوادر الأصول وقد ذكرناه في «التذكرة». قال الترمذي: فالرفرف أعظم خطراً من الفرش فذكره في الأوليين { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وقال هنا: { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } فالرفرف هو شيء إذا ٱستوى عليه الوليّ رفرف به أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالْمِرجاح وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل، روي لنا في حديث المعراج " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سِدْرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى مَسْنَد العرش، فذكر أنه قال: «طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربّي» ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به خفضاً ورفعاً يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد " فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب، كما أن البُرَاق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكأهما وفرشهما، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان.

السابقالتالي
2 3