الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } * { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

قوله تعالى: { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } { مَرَجَ } أي خَلَّى وأرسل وأهمل يقال: مرج السلطان الناس إذا أهملهم. وأصل المَرْج الإهمال كما تُمْرَج الدابّةُ في المرعى. ويقال: مَرَجَ خَلَطَ. وقال الأخفش: ويقول قوم أَمْرَج البحرين مثل مَرَج، فَعَل وأَفْعَلَ بمعنًى. { ٱلْبَحْرَيْنِ } قال ٱبن عباس: بحر السماء وبحر الأرض وقاله مجاهد وسعيد بن جبير. { يَلْتَقِيَانِ } في كل عام. وقيل: يلتقي طرفاهما. وقال الحسن وقتادة: بحر فارس والروم. وقال ٱبن جريج: إنه البحر المالِح والأنهار العذبة. وقيل: بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما. وقيل: بحر اللؤلؤ والمرجان. { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } أي حاجز فعلى القول الأوّل ما بين السماء والأرض قاله الضحاك. وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما وهي الحجاز قاله الحسن وقتادة. وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلٰهية على ما تقدّم في «الفرقان». وفي الخبر عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أن الله تعالى كلّم الناحية الغربية فقال: إني جاعل فيك عباداً لي يُسبِّحوني ويُكَبِّروني ويهلِّلُوني ويُمجّدوني فكيف أنت لهم؟ فقالت: أُغرقُهم يا ربّ. قال: إني أحملهم على يدي، وأجعل بأسك في نواحيك. ثم كَلّمَ الناحية الشرقية فقال: إني جاعل فيك عباداً لي يُسبِّحوني ويكَبِّروني ويهلِّلُوني ويمجِّدوني فكيف أنت لهم؟ قالت: أسبِّحكَ معهم إذا سَبَّحوكَ، وأكبّرك معهم إذا كبروك، وأُهَلِّلكَ معهم إذا هَلَّلُوكَ، وأُمَجِّدُك معهم إذا مجَّدوك فأثابها الله الْحِلية وجعل بينهما برزخاً، وتحوّل أحدهما مِلحاً أُجَاجاً، وبقي الآخر على حالته عذباً فُرَاتاً " ذكر هذا الخبر الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله قال: حدّثنا صالح بن محمد، حدّثنا القاسم العمريّ عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة: { لاَّ يَبْغِيَانِ } قال قتادة: لا يبغيان على الناس فيغرقانهم جعل بينهما وبين الناس يَبَساً. وعنه أيضاً ومجاهد: لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه. ٱبن زيد: المعنى { لاَّ يَبْغِيَانِ } أن يلتقيا، وتقدير الكلام: مرج البحرين يلتقيان، لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا. وقيل: البرزخ ما بين الدنيا والآخرة أي بينهما مدّة قدرها الله وهي مدّة الدنيا فهما لا يبغيان فإذا أذن الله في ٱنقضاء الدنيا صار البحران شيئاً واحداً وهو كقوله تعالى:وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } [الانفطار:3] وقال سهل بن عبد الله: البحران طريق الخير والشر، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة. قوله تعالى: { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } أي يخرج لكم من الماء اللؤلؤ والمرجان، كما يخرج من التراب الحبّ والعصف والريحان. وقرأ نافع وأبو عمرو «يُخْرَجُ» بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول. الباقون «يَخْرُجُ» بفتح الياء وضم الراء على أن اللؤلؤ هو الفاعل. وقال: «مِنْهُمَا» وإنما يخرج من الملح لا العذب لأن العرب تجمع الجنسين ثم تخبر عن أحدهما كقوله تعالى:

السابقالتالي
2