الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } * { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } * { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } * { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } * { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } أخبر عن قوم لوط أيضاً لما كذّبوا لوطاً. { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } أي ريحاً ترميهم بالحصباء وهي الحصى قال النّضر: الحاصب الحصباء في الريح. وقال أبو عبيدة: الحاصب الحجارة. وفي الصحاح: والحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء وكذلك الحَصِبة قال لَبِيد:
جَرَّتْ عليها أَنْ خَوَتْ مِن أهلَها   أذيالَها كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ
عصفت الريح أي ٱشتدّت فهي ريح عاصفٌ وعَصُوف. وقال الفَرَزْدق:
مستقبلين شمالَ الشامِ تَضرِبُنَا   بحاصبٍ كنَديفِ القُطْنِ منثورِ
{ إِلاَّ آلَ لُوطٍ } يعني من تبعه على دينه ولم يكن إلا بنتاه { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } قال الأخفش: إنما أجراه لأنه نكرة، ولو أراد سَحَر يوم بعينه لما أجراه، ونظيره:ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [البقرة:61]لما نكّره، فلما عرّفه في قوله:ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } [يوسف:99] لم يُجْرِه، وكذا قال الزجاج: «سحر» إذا كان نكرة يراد به سحَر من الأسحار يصرف، تقول أتيته سحراً، فإذا أردت سحر يومك لم تصرفه، تقول: أتيته سَحَر يا هذا، وأتيته بسحر. والسَّحَرُ: هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب ٱختلاط سواد الليل ببياض أوّل النهار لأن في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار. { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا } إنعاماً منّا على لوط وٱبنتيه فهو نَصْب لأنه مفعول به. { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } أي من آمن بالله وأطاعه. { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ } يعني لوطاً خوّفهم { بَطْشَتَنَا } عقوبتنا وأَخْذنا إياهم بالعذاب { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } أي شَكُّوا فيما أنذرهم به الرسول ولم يصدّقوه، وهو تفاعل من المِرْية. { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } أي أرادوا منه تمكينهم ممن كان أتاه من الملائكة في هيئة الأضياف طلباً للفاحشة على ما تقدّم. يقال: راوَدْته على كذا مُرَاوَدةً ورِوَاداً أي أردتُه. وراد الكلأَ يروده رَوْداً ورِياداً، وٱرْتادَه ٱرتياداً بمعنًى أي طلبه وفي الحديث: " إذا بال أحدكم فلْيَرْتَدْ لِبوله " أي يطلب مكاناً ليناً أو منحدراً. { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } يروى أن جبريل عليه السلام ضربهم بجناحه فَعُموا. وقيل: صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شقّ، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب. وقيل: لا، بل أعماهم الله مع صحة أبصارهم فلم يروهم. قال الضحاك: طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا: لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟ فرجعوا ولم يروهم. { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي فقلنا لهم ذوقوا، والمراد من هذا الأمر الخبر أي فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط. { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } أي دائم عام ٱستقر فيهم حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة. وذلك العذاب قَلْب قريتهم عليهم وجعل أعلاها أسفلها. و «بُكْرَةً» هنا نكرة فلذلك صرفت. { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أهلكوا به فلذلك حسن التكرير. { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } تقدم.