الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } هم قوم صالح كذبوا الرسل ونبيهم، أو كذّبوا بالآيات التي هي النذر { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } وندع جماعة. وقرأ أبو الأشهب وٱبن السَّمَيْقَع وأبو السَّمَّال العدويّ «أَبَشَرٌ» بالرفع «وَاحِدٌ» كذلك رفع بالابتداء والخبر «نَتَّبِعُهُ». الباقون بالنصب على معنى أنتبع بشراً منا واحداً نتبعه. وقرأ أبو السَّمَّال: «أَبَشَرٌ» بالرفع «مِنَّا واحِداً» بالنصب، رفع «أَبَشَرٌ» بإضمار فعل يدل عليه { أَأُلْقِيَ } كأنه قال: أينبّأ بشر منّا، وقوله: «وَاحِداً» يجوز أن يكون حالاً من المضمر في «مِنَّا» والناصب له الظرف، والتقدير أينبأ بشر كائن منّا منفرداً ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { نَّتَّبِعُهُ } منفرداً لا ناصر له. { إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ } أي ذهاب عن الصواب { وَسُعُرٍ } أي جنون، من قولهم: ناقة مسعورة، أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة، ذكره ٱبن عباس. قال الشاعر يصف ناقته:
تَخالُ بها سُعْراً إذا السَّفْرُ هَزَّهَا   ذَمِيلٌ وإيقاعٌ من السَّيْرِ مُتْعِبُ
الذميل ضرب من سير الإبل. قال أبو عبيد: إذا ارتفع السير عن العَنَق قليلاً فهو التّزيُّد، فإذا ٱرتفع عن ذلك فهو الذميل، ثم الرَّسيم يقال: ذمَل يَذْمُل ويَذمِل ذميلاً. قال الأصمعي: ولا يَذمُل بعير يوماً وليلةً إلا مَهْرِيٌّ قاله. وقال ٱبن عباس أيضاً: السُّعر العذاب، وقاله الفراء. مجاهد: بعد الحق. السديّ: في ٱحتراق. قال:
أصحوتَ اليومَ أَمْ شَاقَتْكَ هِرّ   ومِنَ الْحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ
أي متقد ومحترق. أبو عبيدة: هو جمع سعير وهو لهيب النار. والبعير المجنون يذهب كذا وكذا لما يتلهب به من الحدّة. ومعنى الآية: إنَّا إذاً لفي شقاء وعناء مما يلزمنا. قوله تعالى: { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } أي خصص بالرسالة من بين آل ثمود وفيهم من هو أكثر مالاً وأحسن حالاً؟! وهو استفهام معناه الإنكار. { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أي ليس كما يدّعيه، وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير ٱستحقاق. والأَشَر المَرَح والتَجَبُّر والنّشاط. يقال: فرس أَشِر إذا كان مرحاً نشيطاً قال ٱمرؤ القيس يصف كلباً:
فيدركنا فَغِمٌ داجِنٌ   سمِيعٌ بِصيرٌ طَلُوبٌ نَكِرْ
أَلَصُّ الضُّرُوسِ حَنِيُّ الضُّلُوعِ   تَبُوعٌ أَرِيبٌ نَشيطٌ أَشِرْ
وقيل: «أَشِرٌ» بَطِر. والأَشَر البَطَر قال الشاعر:
أَشِرْتُمْ بلُبْس الخَزِّ لمّا لَبِسْتُمُ   ومِن قبلُ ما تَدْرونَ مَنْ فَتَحَ الْقُرَى
وقدأشِر بالكسر يأشَر أَشَراً فهو أَشِر وأَشْران، وقوم أشَارى مثل سَكْران وسُكَارى قال الشاعر:
وخَلَّتْ وُعُولاً أَشَارَى بها   وقد أَزْهَفَ الطَّعْنُ أبطالَهَا
وقيل: إنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها والمعنى واحد. وقال ٱبن زيد وعبد الرحمن بن حماد: الأشِر الذي لا يبالي ما قال. وقرأ أبو جعفر وأبو قِلابة «أَشَرُّ» بفتح الشين وتشديد الراء يعني به أشرنا وأخبثنا. { سَيَعْلَمُونَ غَداً } أي سيرون العذاب يوم القيامة، أو في حال نزول العذاب بهم في الدنيا.

السابقالتالي
2