الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } * { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ عَادٌ } هم قوم هود. { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } وقعت «نُذُر» في هذه السورة في ستة أماكن محذوفة الياء في جميع المصاحف، وقرأها يعقوب مثبتة في الحالين، وورش في الوصل لا غير، وحذف الباقون. ولا خلاف في حذف الياء من قوله: { فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } والواو من قوله: { يَدْعُو } فأما الياء من { ٱلدَّاعِ } الأول فأثبتها في الحالين ٱبن مُحيصن ويعقوب وحُميد والبَزِّي، وأثبتها ورش وأبو عمرو في الوصل، وحذف الباقون. وأما { ٱلدَّاعِ } الثانية فأثبتها يعقوب وٱبن مُحَيْصن وٱبن كثير في الحالين، وأثبتها أبو عمرو ونافع في الوصل، وحذفها الباقون. { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } أي شديدة البرد قاله قتادة والضحاك. وقيل: شديدة الصوت. وقد مضى في «حم السجدة». { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي في يوم كان مشؤوماً عليهم. وقال ٱبن عباس: أي في يوم كانوا يتشاءمون به. الزجاج: قيل في يوم أربعاء. ٱبن عباس: كان آخر أربعاء في الشهر أفنى صغيرهم وكبيرهم. وقرأ هارون الأعور «نَحِسٍ» بكسر الحاء وقد مضى القول فيه في حم السجدةفِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [فصلت:16]. و { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي دائم الشؤم ٱستمرّ عليهم بنحوسه، وٱستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك. وقيل: ٱستمر بهم إلى نار جهنم. وقال الضحاك: كان مُرًّا عليهم. وكذا حكى الكسائي أن قوماً قالوا هو من المرارة يقال: مُرَّ الشيء وأَمرَّ أي كان كالشيء المرّ تكرهه النفوس. وقد قال: «فَذُوقُوا» والذي يذاق قد يكون مُرّاً. وقد قيل: هو من المِرّة بمعنى القوّة. أي في يوم نحس مستمر مستحكم الشؤم كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه. فإن قيل: فإذا كان يوم الأربعاء يوم نحس مستمر فكيف يستجاب فيه الدعاء؟ وقد جاء أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ٱستجيب له فيه فيما بين الظهرِ والعصرِ. وقد مضى في «البقرة» حديث جابر بذلك. فالجواب ـ والله أعلم ـ ما جاء في خبر يرويه مسروق عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقضي باليمين مع الشاهد وقال يوم الأربعاء يوم نحس مستمر " ومعلوم أنه لم يرد بذلك أنه نحس على الصالحين، بل أراد أنه نحس على الفجار والمفسدين كما كانت الأيام النحسات المذكورة في القرآن نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم والمؤمنين به منهم، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يمهل الظالم من أوّل يوم الأربعاء إلى أن تزول الشمس، فإذا أدبر النهار ولم يحدث رجعة ٱستجيب دعاء المظلوم عليه، فكان اليوم نحساً على الظالم ودعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان على الكفار، وقول جابر في حديثه «لم ينزل بي أمر غليظ» إشارة إلى هذا.

السابقالتالي
2