الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

قوله تعالى: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } «ٱقْتَرَبَتِ» أي قربت مثلأَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [النجم: 57] على ما بيناه. فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى قتادة عن أنس قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من دنياكم فيما مضى إلاّ مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى» " وما نرى من الشمس إلا يسيراً. وقال كعب ووهب: الدنيا ستة ٱلاف سنة. قال وهب: قد مضى منها خمسة آلاف سنة وستمائة سنة. ذكره النحاس. ثم قول تعالى: { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وقد ٱنشق القمر. وكذا قرأ حُذيفة «ٱقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَقَدِ ٱنْشَقَّ الْقَمَرُ» بزيادة «قد» وعلى هذا الجمهور من العلماء ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ٱبن مسعود وابن عمر وأنس وجبير بن مُطْعِم وابن عباس رضي الله عنهم. وعن أنس قال: سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية، فٱنشقَّ القمر بمكة مرتين فنزلت: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } إلى قوله: { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } يقول ذاهب قال أبو عيسى الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح. ولفظ البخاريّ عن أنس قال: ٱنشق القمر فرقتين. وقال قوم: لم يقع ٱنشقاق القمر بعدُ وهو منتظر أي ٱقترب قيام الساعة وٱنشقاق القمر وأن الساعة إذا قامت ٱنشقت السماء بما فيها من القمر وغيره. وكذا قال القشيري. وذكر الماورديّ: أن هذا قول الجمهور، وقال: لأنه إذا ٱنشق ما بقي أحد إلا رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء. وقال الحسن: ٱقتربت الساعة فإذا جاءت ٱنشق القمر بعد النفخة الثانية. وقيل: { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وضح الأمر وظهر والعرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضَحَ قال:
أقيمُوا بَني أميِّ صُدُورَ مَطِيّكُمْ   فإنِّي إلى حَيٍّ سواكم لأَمْيَلُ
فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ   وشُدَّت لِطيَّاتٍ مَطايا وأَرْحُلُ
وقيل: ٱنشقاق القمر هو ٱنشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها، كما يسمى الصبح فلقاً لآنفلاق الظلمة عنه. وقد يعبر عن ٱنفلاقه بٱنشقاقه كما قال النابغة:
فلمَّا أدْبَرُوا ولَهُمْ دَوِيٌّ   دعانا عِند شَقِّ الصُّبحِ داعِ
قلت: وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر ٱنشق بمكة، وهو ظاهر التنزيل، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها لأنها كانت آية ليلية وأنها كانت باستدعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدّي. فروي أنّ حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً من سبّ أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه. وقد تقدّم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية، فأراهم ٱنشقاق القمر فلقتين كما في حديث ٱبن مسعود وغيره.

السابقالتالي
2 3 4