الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } * { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } * { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } * { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ }

قوله تعالى: { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث. وقرأ ٱبن كثير وأبو عمرو «ٱلنَّشَأَةَ» بفتح الشين والمدّ أي وعد ذلك ووعده صدق. { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } قال ابن زيد: أغنى من شاء وأفقر من شاء ثم قرأيَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } [العنكبوت: 62] وقرأيَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [البقرة: 245] وٱختاره الطبري. وعن ٱبن زيد أيضاً ومجاهد وقتادة والحسن: «أَغْنَى» مَوَّلَ «وأَقْنَى» أَخْدم. وقيل: «أَقْنَى» جعل لكم قِنْية تقتنونها، وهو معنى أخدم أيضاً. وقيل: معناه أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضّاه بما أعطاه قاله ٱبن عباس. وقال الجوهري: قَنِيَ الرجل يَقْنَى قِنًى مثل غَنِي يَغْنَى غِنًى، وأقناه الله أي أعطاه الله ما يُقتنى من القِنْية والنَّشَب. وأقناه الله أيضاً أي رضّاه. والقِنَى الرضا، عن أبي زيد قال وتقول العرب: من أُعِطي مائةً من المعز فقد أعطِي القِنَى، ومن أُعِطي مائةً من الضأن فقد أُعِطَي الغِنى، ومن أُعِطيَ مائة من الإبل فقد أعطِي المُنى. ويقال: أغناه الله وأقناه أي أعطاه ما يسكن إليه. وقيل: { أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } أي أغْنَى نفسه وأفقر خلقه إليه قاله سليمان التيمي. وقال سفيان: أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا. وقال الأخفش: أقنى أفقر. قال ٱبن كيسان: أولد. وهذا راجع لما تقدّم. { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } «الشِّعْرَى» الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدّة الحرّ، وهما الشّعريان العَبُور التي في الجوزاء والشِّعرى الغُمَيْصَاءُ التي في الذراع وتزعم العرب أنهما أختا سُهَيل. وإنما ذكر أنه رَبُّ الشِّعْرى وإن كان ربًّا لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلمهم الله جل وعز أنّ الشِّعْرى مربوب وليس بربّ. وٱختلف فيمن كان يعبده فقال السدي: كانت تعبده حِمْير وخُزَاعة. وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبيّ صلى الله عليه وسلم ٱبن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم وقالوا: ما لقيناً من ٱبن أبي كبشة! وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرّ عليه: لقد أَمِرَ أَمْرُ ٱبنِ أبي كبشة. وقد كان من لا يعبد الشِّعْرى من العرب يعظّمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر:
مضَى أَيْلُولُ وٱرتفعَ الحَرُورُ   وأخْبَتْ نارَها الشِّعرى العَبُورُ
وقيل: إن العرب تقول في خرافاتها: إن سُهيْلاً والشِّعرى كانا زوجين، فانحدر سُهَيل فصار يمانياً، فاتبعته الشِّعرى العَبُور فعبرت المجرة فسميت العبور، وأقامت الغُمَيْصاء فبكت لفقد سُهَيل حتى غَمِصت عيناه فسمِّيت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى. { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } سماها الأولى لأنهم كانوا مِن قبل ثمود.

السابقالتالي
2