الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } * { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ }

قوله تعالى: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ. وَإِبْرَاهِيمَ } أي صحف { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } كما في سورة «الأعلى»صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 19] أي لا تؤخذ نفس بدلاً عن أخرى كما قال: { أَن لاَتَزِرُ وَٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } وخصّ صحف إبراهيم وموسى بالذكر لأنه كان ما بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة أخيه وٱبنه وأبيه قاله الهذيل ابن شرحبيل. «وأنْ» هذه المخففة من الثقيلة وموضعها جرٌّ بدلاً من «ما» أو يكون في موضع رفع على إضمار هو. وقرأ سعيد بن جبير وقتادة «وَفَى» خفيفة ومعناها صدق في قوله وعمله، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة «وَفَّى» بالتشديد أي قام بجميع ما فرض عليه فلم يَخْرم منه شيئاً. وقد مضى في «البقرة» عند قوله تعالى:وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] والتوفية الإتمام. وقال أبو بكر الورّاق: قام بشرط ما ٱدعى وذلك أن الله تعالى قال له:أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 131] فطالبه الله بصحة دعواه، فابتلاه في ماله وولده ونفسه فوجده وافياً بذلك فذلك قوله: { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } أي ٱدّعى الإسلام ثم صحح دعواه. وقيل: وفّي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار رواه الهيثم عن أبي أمامة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى سهل بن سعد الساعدي عن أبيه: " أَلاَ أخبركم لم سَمَّى اللَّه تعالى خليلَه إبراهيمَ «الَّذِي وَفَّى» لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } " [الروم: 17] الآية. ورواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: «وفَّى» أي وَفَّى ما أرسل به، وهو قوله: { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } قال ٱبن عباس: كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الوليَّ بالولِيِّ في القتل والجراحة فيقتل الرجل بأبيه وٱبنه وأخيه وعمه وخاله وٱبن عمه وقريبه وزوجته وزوجها وعبده، فبلغهم إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى: { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }. وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى «وَفَّى»: عمل بما أمر به وبلّغ رسالات ربه. وهذا أحسن لأنه عام. وكذا قال مجاهد: «وَفَّى» بما فرض عليه. وقال أبو مالك الغفاريّ قوله تعالى: { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } إلى قوله: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } في صحف إبراهيم وموسى، وقد مضى في آخر «الأنعام» القول فيوَلاَ تَزِرُوَٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الأنعام: 164] مستوفى. قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } روي عن ٱبن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21] فيحصل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه، ويشفِّع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء يدل على ذلك قوله تعالى

السابقالتالي
2 3