الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

قوله تعالى: { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } اللام متعلقة بالمعنى الذي دلّ عليه { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كأنه قال: هو مالك ذلك يهدي من يشاء ويضل من يشاء ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. وقيل: { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } معترض في الكلام والمعنى: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن ٱهتدى ليجزي. وقيل: هي لام العاقبة، أي ولله ما في السموات وما في الأرض أي وعاقبة أمر الخلق أن يكون فيهم مسيء ومحسن فللمسيء السوءى وهي جهنم، وللمحسن الحسنى وهي الجنة. قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } هذا نعت للمحسنين أي هم لا يرتكبون كبائر الإثم وهو الشرك لأنه أكبر الآثام. وقرأ الأعمش ويحيـى بن وثّاب وحمزة والكسائي «كَبيرَ» على التوحيد وفسره ٱبن عباس بالشرك. { وَٱلْفَوَاحِشَ } الزنى: وقال مقاتل: { كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } كل ذنب ختم بالنار. { وَٱلْفَوَاحِشَ } كل ذنب فيه الحدّ. وقد مضى في «النساء» القول في هذا. ثم ٱستثنى ٱستثناءً منقطعاً وهي: المسألة الثانية: فقال: { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه. وقد ٱختلف في معناها فقال أبو هريرة وٱبن عباس والشعبي: «اللَّمَمُ» كل ما دون الزنى. وذكر مقاتل بن سليمان: " أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار كان له حانوت يبيع فيه تمراً فجاءته امرأة تشتري منه تمراً فقال لها: إن داخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها فأبت وٱنصرفت فندم نبهان فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع فقال: «لعل زوجها غازٍ» " فنزلت هذه الآية، وقد مضى في آخر «هود» وكذا قال ٱبن مسعود وأبو سعيد الخُدري وحذيفة ومسروق: إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: زنى العينين النظر، وزنى اليدين البطش، وزنى الرِّجلين المشي، وإنما يصدِّق ذلك أو يكذِّبه الفرج فإن تقدّم كان زنًى وإن تأخر كان لمَمَاً. وفي صحيح البخاري ومسلم عن ٱبن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظّه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه "

السابقالتالي
2 3 4