الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }

قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } لما ذكر الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر من آثار قدرته ما ذكر، حاجًّ المشركين إذ عبدوا ما لا يعقِل وقال: أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أَوْحَيْنَ إليكم شيئاً كما أُوحِي إلى محمد. وكانت الَّلاتُ لثَقِيف، والعُزَّى لقريش وبني كِنانة، ومَناةُ لبني هلال. وقال هشام: فكانت مناة لِهُذَيْل وَخُزَاعة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح. ثم ٱتخذوا اللات بالطائف، وهي أحدث من مَنَاة وكانت صخرةً مُربَّعة، وكان سَدَنتها من ثَقِيف، وكانوا قد بنوا عليها بناء، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمى زيد الّلات وتيمَ الّلات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثَقِيفٌ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة فهدمها وحرقها بالنار. ثم ٱتخذوا العُزَّى وهي أحدث من الّلات، ٱتخذها ظالم بن أسعد، وكانت بوادي نَخْلة الشامية فوق ذات عِرْق، فبنوا عليها بيتاً وكانوا يسمعون منها الصوت. قال ٱبن هشام: وحدّثني أبي عن أبي صالح عن ٱبن عباس قال: " كانت العُزَّى شيطانة تأتي ثلاث سَمُرات ببطن نَخْلة، فلما ٱفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: «ٱيتِ بَطْن نخلة فإنك تجد ثلاث سَمُرات فٱعْضِد الأولى» فأتاها فَعضَدها فلما جاء إليه قال: «هل رأيت شيئاً» قال: لا. قال: «فٱعضِد الثانية» فأتاها فَعضَدها، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «هل رأيت شيئاً» قال: لا. قال: «فٱعضِد الثالثة» فأتاها فإذا هو بحبشيّة نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتقها تُصَرِّفُ بأنيابها، وخلفها دُبَيَّةُ السُّلَمّي وكان سادِنَها فقال: "
يا عُزّ كُفْرَانِك لا سبْحانِك   إني رَأَيْتُ اللَّهَ قَد أهانَكِ
" ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حُمَمَة، ثم عَضَد الشجرة وقتل دُبَيَّة السادن، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «تلك العُزَّى ولن تُعبَد أبداً " وقال ٱبن جُبير: العُزَّى حجر أبيض كانوا يعبدونه. قتادة: نبت كان ببطن نَخْلة. ومَنَاة: صنم لخزاعة. وقيل: إن الّلات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ الله، والعُزَّى من العزيز، ومَنَاة مِن مَنَى الله الشيءَ إذا قدّره. وقرأ ٱبن عباس وٱبن الزبير ومجاهد وحُميد وأبو صالح «الّلاتّ» بتشديد التاء وقالوا: كان رجلاً يَلُتّ السَّوِيق للحاجّ ـ ذكره البخاري عن ٱبن عباس ـ فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. ٱبن عباس: كان يبيع السَّوِيق والسَّمْن عند صخرة ويصبه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثَقِيف تلك الصخرة إعظاماً لصاحب السَّوِيق.

السابقالتالي
2 3