الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلطُّورِ } * { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } * { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } * { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } * { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } * { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } * { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ }

قوله تعالى: { وَٱلطُّورِ } الطور ٱسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى أقسم الله به تشريفاً له وتكريماً وتذكيراً لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة. وروى إسماعيل بن إسحٰق قال: حدّثنا إسماعيل ابن أبي أويس، قال: حدّثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جدّه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربعة أجبل من جبال الجنة وأربعة أنهار من أنهار الجنة وأربعة مَلاَحم من مَلاَحم الجنة " قيل: فما الأجبل؟ قال: " جبل أُحُد يحبنا ونحبه والطُّور جبل من جبال الجنة ولُبْنان جبل من جبال الجنة والجودي جبل من جبال الجنة " وذكر الحديث، وقد استوفيناه في كتاب «التذكرة». قال مجاهد: الطور هو بالسريانية الجبل والمراد به طور سينا. وقاله السدّي. وقال مقاتل بن حيان: هما طوران يقال لأحدهما طُورسينا والآخر طورزيتا لأنهما ينبتان التين والزيتون. وقيل: هو جبل بمَدْيَن وٱسمه زَبير. قال الجوهري: والزَّبير الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام. قلت: ومدين بالأرض المقدّسة وهي قرية شعيب عليه السلام. وقيل: إن الطُّور كل جبل أنبت، وما لا ينبت فليس بطور قاله ابن عباس. وقد مضى في «البقرة» مستوفى. قوله تعالى: { وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ } أي مكتوب يعني القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف، ويقرؤه الملائكة من اللوح المحفوظ كما قال تعالى:إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } [الواقعة: 77 - 78]. وقيل: يعني سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، وكان كل كتاب في رَقّ ينشره أهله لقراءته. وقال الكلبي: هو ما كتب الله لموسى بيده من التوراة وموسى يسمع صرير القلم. وقال الفراء: هو صحائف الأعمال فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله نظيره:وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13] وقوله:وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } [التكوير: 10]. وقيل: إنه الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون. وقيل: المراد ما كتب الله في قلوب الأولياء من المؤمنين بيانه:أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22]. قلت: وفي هذا القول تَجوُّز لأنه عبّر بالقلوب عن الرِّق. قال المبرّد: الرِّق ما رُقِّق من الجلد ليكتب فيه، والمنشور المبسوط. وكذا قال الجوهري في الصحاح، قال: والرَّق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق. ومنه قوله تعالى: { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } والرَّق أيضاً العظيم من السَّلاحِف. قال أبو عبيدة: وجمعه رُقُوق. والمعنى المراد ما قاله الفراء والله أعلم. وكل صحيفة فهي رَقٌّ لرقة حواشيها ومنه قول المتلمس:
فكأنَّما هي من تَقَادُمِ عَهْدِها   رَقٌّ أتيح كتابُها مَسطور
وأما الرِّق بالكسر فهو المِلك يقال: عبد مرقوق.

السابقالتالي
2 3