الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ليبين بها أنه أهلك المكذب بآياته كما فعل بقوم لوط. «هَلْ أَتَاكَ» أي ألم يأتك. وقيل: «هَلْ» بمعنى قد كقوله تعالى:هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } [الإنسان: 1]. وقد مضى الكلام في ضيف إبراهيم في «هود» «والحجر». «الْمُكْرَمِينَ» أي عند الله دليله قوله تعالى:بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] قال ٱبن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل ـ زاد عثمان بن حَصِين ـ ورفائيل عليه الصلاة والسلام. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه تسعة. وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملَك آخر. قال ٱبن عباس: سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين. وقال مجاهد: سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه. قال عبد الوهاب: قال لي علي بن عياض: عندي هريسة ما رأيك فيها؟ قلت: ما أحسن رأيي فيها قال: ٱمض بنا فدخلت الدار فنادى الغلام فإذا هو غائب، فما راعني إلا به ومعه القُمْقُمة والطَّسْت وعلى عاتقه المِنْدِيل، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لو علمتُ يا أبا الحسن أن الأمر هكذا قال: هَوِّن عليك فإنك عندنا مُكرَم، والمُكرم إنما يُخدم بالنفس ٱنظر إلى قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ }. قوله تعالى: { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً } تقدّم في«الحجر». { قَالَ سَلاَمٌ } أي عليكم سلام. ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردّي لكم سلام. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً «سِلْمٌ» بكسر السين. { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي أنتم قوم منكرون أي غرباء لا نعرفكم. وقيل: لأنه رآهم على غير صورة البشر، وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم، فقال: { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }. وقيل: أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير ٱستئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض. وقيل: خافهم يقال: أنكرته إذا خفته، قال الشاعر:
فَأَنْكَرَتْنِي وما كان الذي نَكِرَتْ   مِنَ الحوادِثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا
قوله تعالى: { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ } قال الزجاج: أي عدل إلى أهله. وقد مضى في «والصافات». ويقال: أراغ وٱرتاغ بمعنى طلب، وماذا تُرِيغ أي تريد وتطلب، وأراغ إلى كذا أي مال إليه سرًّا وحاد، فعلى هذا يكون راغ وأراغ لغتين بمعنى. { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } أي جاء ضيفه بعجل قد شواه لهم كان في «هود»:فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [هود: 69]. ويقال: إن إبراهيم ٱنطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه، لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام. قوله تعالى: { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } يعني العجل. { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } قال قتادة: كان عامّة مالِ إبراهيم البقر، وٱختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم. وقيل: العِجل في بعض اللغات الشاة.

السابقالتالي
2