الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

قوله تعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } لما ذكر أمر الفريقين بيّن أن في الأرض علامات تدل على قدرته على البعث والنشور فمنها عود النبات بعد أن صار هشيماً، ومنها أنه قدّر الأقوات فيها قِواماً للحيوانات، ومنها سيرهم في البلدان التي يشاهدون فيها آثار الهلاك النازل بالأمم المكذّبة. والموقنون هم العارفون المحقّقون وحدانية ربهم، وصدق نبوّة نبيهم خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها. قوله تعالى: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } قيل: التقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات للموقنين. وقال قتادة: المعنى من سار في الأرض رأى آياتٍ وعبراً، ومن تفكر في نفسه علم أنه خُلق ليعبد الله. ٱبن الزبير ومجاهد: المراد سبيل الخلاء والبول. وقال السائب بن شريك: يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ولو شرب لبناً محضاً لخرج منه الماء ومنه الغائط فتلك الآية في النفس. وقال ٱبن زيد: المعنى أنه خلقكم من تراب، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة،ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } [الروم: 20]. السدي: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ» أي في حياتكم وموتكم، وفيما يدخل ويخرج من طعامكم. الحسن: وفي الهَرَم بعد الشباب، والضعف بعد القوّة، والشيب بعد السواد. وقيل: المعنى وفي خلق أنفسكم من نطفة وعلقة ومضغة ولحم وعظم إلى نفخ الروح، وفي ٱختلاف الألسنة والألوان والصُّوَر. إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول، وما خصّت به من أنواع المعاني والفنون، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف والأبصار والأطراف وسائر الجوارح، وتأتِّيها لما خُلِقت له، وما سَوَّى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني، وأنه إذا جسا شيء منها جاء العجز، وإذا ٱسترخى أناخ الذلفَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14]. { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } يعني بصر القلب ليعرفوا كمال قدرته. وقيل: إنه نُجْح العاجز، وحرمان الحازم. قلت: كل ما ذكر مراد في الاعتبار. وقد قدّمنا في آية التوحيد من سورة «البقرة» أن ما في بدن الإنسان الذي هو العالَم الصغير شيء إلا وله نظير في العالَم الكبير، وذكرنا هناك من الاعتبار ما يكفي ويغني لمن تدبر. قوله تعالى: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } قال سعيد بن جبير والضحاك: الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق. قال سعيد بن جبير: كل عين قائمة فإنها من الثلج. وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه واللَّهِ رزقكم ولكنكم تُحرَمونه بخطاياكم. وقال أهل المعاني: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ» معناه وفي المطر رزقكم سمى المطر سماء لأنه من السماء ينزل. قال الشاعر:
إذا سقَط السماءُ بأرضِ قَوْمٍ   رعيناه وإِنْ كانوا غِضَابَا
وقال ٱبن كيسان: يعني وعلى ربّ السماء رزقكم نظيره:

السابقالتالي
2 3 4