الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } قيل: المراد بالسماء هاهنا السُّحُب التي تظل الأرض. وقيل: السماء المرفوعة. ٱبن عمر: هي السماء السابعة ذكره المهدوي والثعلبي والماوردي وغيرهم. وفي «الْحُبُكِ» أقوال سبعة: الأول ـ قال ٱبن عباس وقتادة ومجاهد والربيع: ذات الخَلق الحسن المستوي. وقاله عكرمة قال: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حَبَك الثوبَ يَحبِكُه بالكسر حَبْكاً أي أجاد نسجه. قال ٱبن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد ٱحتبكته. والثاني ـ ذات الزينة قاله الحسن وسعيد بن جبير، وعن الحسن أيضاً: ذات النجوم وهو الثالث. الرابع ـ قال الضحاك: ذات الطرائق يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حُبُك. ونحوه قول الفراء قال: الحُبُك تَكسُّر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، ودرع الحديد لها حُبُك، والشعرة الجَعْدة تكسّرها حُبُك. وفي حديث الدجَّال. إنّ شعره حُبُك. قال زهير:
مُكَلَّلٌ بأصولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ   رِيحٌ خَرِيقٌ لِضاحِي مائهِ حُبُكُ
ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها. الخامس ـ ذات الشدة، قاله ٱبن زيد، وقرأ { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }. والمحبوك الشديد الخَلْق من الفرس وغيره، قال ٱمرؤ القيس:
قد غَدَا يَحْمِلُني في أنْفِهِ   لاَحِقُ الإطْلَيْنِ مَحْبُوكٌ مُمَرْ
وقال آخر:
مَرِجَ الدِّينَ فأَعددتُ لَهُ   مُشْرِفَ الحارِكِ مَحْبُوك الْكَتَدْ
وفي الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدِّرْع في الصلاة أي تشدّ الإزار وتحكمه. السادس ـ ذات الصفّاقة قاله خَصِيف، ومنه ثوب صفِيق ووجه صفيق بين الصفاقة. السابع ـ أن المراد بالطرق المَجرّة التي في السماء سميت بذلك لأنها كأثر المَجَرّ. و«الْحُبُك» جمع حِباك، قال الراجز:
كأنّما جَلَّلها الْحُوَّاكُ   طنفسة في وَشْيها حِبَاكُ
والحبَاك والحَبِيكة الطريقة في الرّمل ونحوه. وجمع الحِبَاك حُبُك وجمع الحَبِيكة حَبَائك، والْحَبَكَة مثل العَبَكة وهي الحبّة من السويق، عن الجوهري. وروي عن الحسن في قوله: «ذَاتِ الْحُبُكِ» «الْحُبْكِ» و«الحِبِكِ» و«الحِبْكِ». و«الحِبَك والحِبُك وقرأ أيضاً «الْحُبُك» كالجماعة. وروي عن عِكْرمة وأبي مِجْلَز «الحُبك». و«الحُبُك» واحدتها حَبيكة «والْحبُكْ» مخفّف منه. و«الحِبَك» واحدتها حِبْكة. ومن قرأ «الْحُبَكِ» فالواحدة حُبْكَة كبُرقة وبُرَق أو حُبُكة كظُلُمة وظُلَم. ومن قرأ «الحِبكِ» فهو كإبلِ وإِطِل و«الحِبْك» مخففة منه. ومن قرأ «الحِبُك» فهو شاذ إذ ليس في كلام العرب فِعُلٌ، وهو محمول على تداخل اللغات، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء ثم تصوّر «الْحُبُك» فضم الباء. وقال جميعه المهدوي. قوله تعالى: { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } هذا جواب القسم الذي هو «والسَّمَاءِ» أي إنكم يا أهل مكة «فِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ» في محمد والقرآن فمن مصدّق ومكذّب. وقيل: نزلت في المقتسمين. وقيل: ٱختلافهم قولهم ساحر بل شاعر بل ٱفتراه بل هو مجنون بل هو كاهن بل هو أساطير الأوّلين.

السابقالتالي
2 3