الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }

قوله تعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } قرأ نافع وأبو بكر «يَوْمَ يَقُوُل» بالياء ٱعتباراً بقوله: { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ }. الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة. وقرأ الحسن «يَوْمَ أَقُولُ». وعن ٱبن مسعود وغيره «يَوْمَ يُقَالُ». وٱنتصب «يَوْم» على معنى ما يبدّل القول لديّ يومَ. وقيل: بفعل مقدر معناه: وأنذرهم { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ } لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها. وهذا الاْستفهام على سبيل التصديق لخبره، والتحقيق لوعده، والتقريع لأعدائه، والتنبيه لجميع عباده. «وتَقُولُ» جهنم { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أي ما بقي فيّ موضع للزيادة. كقوله عليه السلام: " هل تَرَك لنا عَقِيل من رَبْع أو منزل " أي ما ترك فمعنى الكلام الجحد. ويحتمل أن يكون ٱستفهاماً بمعنى الاستزادة أي هل من مزيد فأزداد؟. وإنما صلح هذا للوجهين لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد. وقيل: ليس ثَمَّ قول وإنما هو على طريق المثل أي أنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك كما قال الشاعر:
امتلأَ الحوضُ وقال قَطْنِي   مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأْتَ بَطْنِي
وهذا تفسير مجاهد وغيره. أي هل فيّ من مسلك قد ٱمتلأت. وقيل: يُنطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح. وهذا أصح على ما بيناه في سورة «الفُرقان». وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذيّ عن أنس بن مالك: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال جهنم يُلْقَى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع ربُّ العزة فيها قَدَمه فيَنْزَوِي بعضها إلى بعض وتقول قَطْ قَطِ بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فَضلٌ حتى يُنشىءَ الله لها خلقاً فيسكنَهم فَضْلَ الجنة " لفظ مسلم. وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة: " وأما النار فلا تمتلىء حتى يضع الله عليها رِجْله يقول لها قَطْ قَطْ فهنالك تمتلىء ويَنْزَوِي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحداً وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً " قال علماؤنا رحمهم الله: أما معنى القَدم هنا فهم قوم يُقدِّمهم الله إلى النار، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار. وكذلك الرِّجْل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم يقال: رأيت رِجْلاً من الناس ورِجْلاً من جَرَاد، قال الشاعر:
فمرَّ بنا رِجْلٌ من الناس وانْزَوَى   إليهم من الحيِّ اليمانينَ أَرْجُلُ
قبائلُ من لَخْمٍ وعُكْلٍ وحِمْيَرٍ   على ٱبْنَيْ نِزارٍ بالعَدَاوة أحْفَلُ
ويبين هذا المعنى ما روي عن ٱبن مسعود أنه قال: ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مِقمَع ولا تابوت إلا وعليه ٱسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف ٱسمه وصفته، فإذا ٱستوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قَطْ قَطْ حسبُنا حسبُناٰ أي ٱكتفينا ٱكتفينا، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر.

السابقالتالي
2 3