الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

فيه ثلاث عشرة مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } هذا حكم بتحليل صيد البحر، وهو كل ما صيد من حيتانه. والصيد هنا يراد به المَصِيد، وأُضيف إلى البحر لما كان منه بسبب. وقد مضى القول في البحر في «البقرة» والحمد لله. و «مَتَاعاً» نصب على المصدر أي متعتم به متاعاً. الثانية ـ قوله تعالى: { وَطَعَامُهُ } الطعام لفظ مشترك يطلق على كل ما يُطعَم ويُطلق على مطعوم خاص كالماء وحده، والبُرّ وحده، والتمر وحده، واللَّبن وحده، وقد يطلق على النوم كما تقدّم وهو هنا عبارة عما قذف به البحر وطَفَا عليه أسند الدَّارَقُطْنيّ عن ابن عباس في قول الله عز وجل: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } ـ الآية ـ صيده ما صِيد وطعامه ما لفظ البحر. وروي عن أبي هريرة مثله وهو قول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين. وروي عن ابن عباس طعامه ميتته وهو في ذلك المعنى. وروى عنه أنه قال: طعامه ما مُلِّح منه وبقي وقاله معه جماعة. وقال قوم: طعامه مِلحه الذي ينعقد من مائِهِ وسائر ما فيه من نبات وغيره. الثالثة ـ قال أبو حنيفة: لا يؤكل السمك الطافي، ويؤكل ما سواه من السمك، ولا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك وهو قول الثوريّ في رواية أبي إسحاق الفَزَاريّ عنه. وكره الحسن أكل الطافي من السمك. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كرهه، وروي عنه أيضاً أنه كره أكل الجِرِّيّ، وروي عنه أكل ذلك كله وهو أصح ذكره عبد الرزاق عن الثوريّ عن جعفر بن محمد عن علي قال: الجراد والحِيتان ذَكِيٌّ فعليّ مختلف عنه في أكل الطافي من السمك، ولم يختلف عن جابر أنه كرهه، وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد، وٱحتجوا بعموم قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ }. وبما رواه أبو داود والدَّارَقُطْنِيّ عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كُلُوا ما حَسَر عنه البحر وما ألقاه وما وجدتموه ميتاً أو طافياً فوق الماء فلا تأكلوه " قال الدَّارَقُطْنيّ: تفرد به عبد العزيز بن عُبيد الله، عن وهب بن كَيْسان عن جابر، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به. وروى سفيان الثوريّ عن أبي الزُّبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسنده عن الثوريّ غير أبي أحمد الزُّبيريّ وخالفه وكيع والعدنيان وعبد الرزاق ومُؤَمَّل وأبو عاصم وغيرهم رووه عن الثوريّ موقوفاً وهو الصواب. وكذلك رواه أيوب السَّخْتِياني، وعُبيد الله بن عمر وابن جُرَيْج، وزُهير وحمّاد بن سَلَمة وغيرهم عن أبي الزّبير موقوفاً قال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزّبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدَّارَقُطْنيّ: وروي عن إسماعيل بن أُمية وابن أبي ذئب عن أبي الزّبير مرفوعاً، ولا يصح رفعه، رفعه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أُمية ووقفه غيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6