الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

فيه ثلاثون مسألة: الأولى ـ قوله تعالى: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هذا خطاب عام لكل مسلم ذكر وأنثى، وهذا النهي هو الابتلاء المذكور في قوله تعالى: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } الآية. وروى أن أبا اليَسر ـ واسمه عمرو بن مالك الأنصاري ـ كان مُحْرِما عام الحديبية بعُمْرة فقتل حمار وحش فنزلت فيه { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }. الثانية ـ قوله تعالى: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ } القتل هو كل فعل يفيت الروح، وهو أنواع: منها النحر والذبح والخنق والرضخ وشبهه فحرم الله تعالى على المحرم في الصيد كل فعل يكون مفيتاً للروح. الثالثة ـ من قتل صيداً أو ذبحه فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: عليه جزاء ما أكل يعني قيمته، وخالفه صاحباه فقالا: لا شيء عليه سوى الاستغفار لأنه تناول الميتة كما لو تناول ميتةً أخرى ولهذا لو أكلها محرِم آخر لا يلزمه إلا الاستغفار. وحجة أبي حنيفة أنه تناول محظور إحرامه لأن قتله كان من محظورات الإحرام، ومعلوم أن المقصود من القتل هو التناول، فإذا كان ما يتوصل به إلى المقصود ـ محظور إحرامه ـ موجباً عليه الجـزاء فما هو المقصود كان أولى. الرابعة ـ لا يجوز عندنا ذبح المحرم للصيد، لنهي الله سبحانه المحرم عن قتله وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: ذبح المحرم للصيد ذكاة وتعلق بأنه ذبح صدر من أهله وهو المسلم، مضاف إلى محله وهو الأنعام فأفاد مقصوده من حِل الأكل أصله ذبح الحلال. قلنا: قولكم ذبح صدر من أهله فالمحرم ليس بأهل لذبح الصيد إذ الأهلية لا تستفاد عقلاً، وإنما يفيدها الشرع وذلك بإذنه في الذبح، أو بنفيها وذلك بنهيه عن الذبح، والمحرم منهي عن ذبح الصيد لقوله: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ } فقد ٱنتفت الأهلية بالنهي. وقولكم أفاد مقصوده فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد لا يحِل له أكله، وإنما يأكل منه غيره عندكم فإذا كان الذبح لا يفيد الحِلّ للذابح فأولى وأَحْرى ألا يفيده لغيره، لأن الفرع تبع للأصل في أحكامه فلا يصح أن يثبت له ما لا يثبت لأصله. الخامسة ـ قوله تعالى: { ٱلصَّيْدَ } مصدر عومل معاملة الأسماء، فأوقع على الحيوان المَصِيد ولفظ الصيد هنا عام في كل صيد بريٍّ وبحرِي حتى جاء قوله تعالى: { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } فأباح صيد البحر إباحة مطلقة على ما يأتي بيانه في الآية بعد هذا إن شاء الله تعالى. السادسة ـ ٱختلف العلماء في خروج السباع من صيد البر وتخصيصها منه فقال مالك: كل شيء لا يعدو من السباع مثل الهِرّ والثعلب والضّبع وما أشبهها فلا يقتله المحرم، وإن قتله فَدَاه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد