الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

فيه سبع عشرة مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } خطاب لجميع المؤمنين بترك هذه الأشياء إذ كانت شهوات وعادات تلبسوا بها في الجاهلية وغلبت على النفوس، فكان نَفِيٌّ منها في نفوس كثير من المؤمنين. قال ابن عطية: ومن هذا القبيل هَوَى الزجر بالطير، وأخذ الفأل في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس اليوم. وأما الخمر فكانت لم تُحرّم بعد، وإنما نزل تحريمها في سنة ثلاثٍ بعد وقعة أُحُد، وكانت وقعة أحد في شوّال سنة ثلاث من الهجرة. وتقدّم ٱشتقاقها. وأما «الميسر» فقد مضى في «البقرة» القول فيه. وأما ٱلأنصاب فقيل: هي الأصنام. وقيل: هي النَّرْد والشَّطْرَنْج ويأتي بيانهما في سورة «يونس» عند قوله تعالى:فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } [يونس: 32]. وأما الأزلام فهي القِداح وقد مضى في أوّل السورة القول فيها. ويقال: كانت في البيت عند سَدَنة البيت وخُدّام الأصنام يأتي الرجل إذا أراد حاجة فيقبض منها شيئاً فإن كان عليه أمرني ربي خرج إلى حاجته على ما أحب أو كره. الثانية ـ تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة فإنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في شأنهايَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } [البقرة: 219] أي في تجارتهم فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها فنزلت هذه الآيةلاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } [النساء: 43] فتركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة حتى نزلت: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } ـ الآية ـ فصارت حراماً عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئاً أشدّ من الخمر. وقال أبو مَيْسرة: نزلت بسبب عمر بن الخطاب فإنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عيوب الخمر، وما ينزل بالناس من أجلها، ودعا الله في تحريمها وقال ٱللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآيات، فقال عمر: ٱنتهينا ٱنتهينا. وقد مضى في «البقرة» و «النساء». وروى أبو داود عن ٱبن عباس قال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } و { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } نسختها التي في المائدة { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ }. وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نزلت فيّ آيات من القرآن وفيه قال: وأتيت على نَفرَ من الأنصار فقالوا: تَعالَ نُطعمْك ونسقيك خمراً، وذلك قبل أن تُحرَّم الخمر قال: فأتيتهم في حشٍّ ـ والحَشُّ البستان ـ فإذا رأس جَزُور مشويّ عندهم وزِقٌّ من خمر قال: فأكلتُ وشربتُ معهم قال: فذكرتُ الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار قال: فأخذ رجل لَحْيَى جمل فضربني به فجرح أنفى ـ وفي رواية فَفَزَره وكان أنف سعد مَفْزُوراً ـ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله تعالى فيّ ـ يعني نفسَه شأنَ الخمر ـ { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6