الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ }. فيه خمس مسائل: الأُولى ـ أسند الطَّبَريّ إلى ابن عباس أن الآية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني إذا أصبت من اللحم انتشرت وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعليّ وابن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذَرّ الغِفَاريّ وسالم مولى أبي حُذَيفة والمِقْدَاد بن الأسود وسَلْمان الفارسيّ ومَعْقِل بن مُقَرِّن رضي الله عنهم، اجتمعوا في دار عثمان بن مَظْعُون، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم ولا الوَدَك ولا يَقْربوا النّساء والطيب، ويلبسوا المسُوح ويَرفضوا الدنيا ويَسيحوا في الأرض، ويتَرهبوا ويَجُبُّوا المذاكِير فأنزل الله تعالى هذه الآية. والأخبار بهذا المعنى كثيرة وإن لم يكن فيها ذكر النزول وهي: الثانية ـ خرّج مسلم عن أنس. " أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السِّر فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على الفِراش فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بَالُ أقوام قالوا كذا وكذا لكنّي أُصلِّي وأنام وأصوم وأفطِر وأتزوّج النّساء فمن رَغِب عن سُنّتي فليس مني» " وخرّجه البخاريّ عن أنس أيضاً ولفظه قال: " جاء ثلاثة رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما أُخْبِروا كأنهم تَقَالُّوها ـ فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له من ذنبه ما تقدّم وما تأخر. فقال أحدهم: أمّا أنا فإني أُصلِّي الليل أبدا. وقال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: أمّا أنا فأعتزل النساء ولا أتزوّج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم للَّهِ وأتقاكم له لكنّي أصوم وأُفطر وأُصلي وأرقد وأتزوّج النساء فمن رغب عن سُنّتي فليس مني» " وخَرّجا عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مظعون أن يتَبتّل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ولو أجاز له ذلك لاختصينا. وخرّج الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مسنده قال حدّثنا أبو المغيرة قال حدّثنا مُعَان بن رِفاعة، قال حدّثني عليّ بن يزيد عن القاسم " عن أبي أُمامة الباهليّ رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَرِيّة من سراياه قال: فمرّ رجل بغار فيه شيء من الماء فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البَقْل، ويتخلى عن الدنيا قال: لو أني أتيت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغارٍ فيه ما يقوتني من الماء والبَقْل، فحدّثتني نفسي بأن أُقيم فيه وأتخلى عن الدنيا قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنِيفية السَّمْحة والذي نفس محمد بيده لَغَدْوة أو رَوْحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة» "

السابقالتالي
2 3