الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

قوله تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ } اللام لام قسم ودخلت النون على قول الخليل وسيبويه فرقاً بين الحال والمستقبل. «عَدَاوَةً» نصب على البيان وكذا { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } وهذه الآية نزلت في النجاشيّ وأصحابه لما قدم عليهم المسلمون في الهِجرة الأُولى ـ حسب ما هو مشهور في سيرة ابن إسحاق وغيره ـ خوفاً من المشركين وفتنتهم وكانوا ذوي عدد. ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه، حالت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب. فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إنّ ثأركم بأرض الحبشة، فاهدوا إلى النجاشيّ وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم مَن عنده فتقتلونهم بمن قُتِل منكم ببدر، فبعث كُفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعه بهدايا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أُمَيّة الضَّمْرِيّ، وكتب معه إلى النجاشيّ، فقدم على النجاشيّ، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقِسّيسين فجمعهم. ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة «مريم» فقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله فيهم { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } وقرأ «إلى الشاهِدِين» رواه أبو داود. قال: حدّثنا محمد بن سلمة المراديّ قال حدّثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعن سعيد بن المسيّب وعن عروة بن الزبير، أن الهجرة الأُولى هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة، وساق الحديث بطوله. وذكر البيهقي عن ابن إسحاق قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلاً وهو بمكة أو قريب من ذلك، من النصارى حين ظهر خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد فكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا: خَيَّبَكم اللَّهُ من رَكْب! بعثكم مَنْ وَرَاءَكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل، فلم تظهر مجالستكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدّقتموه بما قال لكم، ما نعلم ركباً أحمق منكم ـ أو كما قال لهم ـ فقالوا: سلام عليكم لا نُجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا نألوا أنفسنا خيراً.

السابقالتالي
2 3