الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله تعالىٰ: { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ }. قيل: هو الميثاق الذي في قوله عزّ وجلّ:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ } [الأعراف: 172] قاله مجاهد وغيره. ونحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الصَّادق به، فيجوز أن نؤمر بالوفاء به. وقيل: هو خطاب لليهود بحفظ ما أخذ عليهم في التوراة والذي عليه الجمهور من المفسرين كابن عباس والسُّدّي هو العهد والميثاق الذي جرى لهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المَنْشَط والمَكْرَه إذ قالوا: سمعنا وأطعنا، كما جرى ليلة العقبة وتحت الشجرة، وأضافه تعالىٰ إلى نفسه كما قال:إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العَقَبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، وأن يرحل إليهم هو وأصحابه، وكان أوّل من بايعه البَرَاء بن مَعْرور، وكان له في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والشدّ لعقد أمره، وهو القائل: والذي بعثك بالحق لنَمنعنَّك مما نمنع منه أُزُرَنا، فبايِعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلْقة ورِثناها كابراً عن كابر. الخبر المشهور في سيرة ٱبن إسحاق. ويأتي ذكر بيعة الرّضوان في موضعها. وقد ٱتصل هذا بقوله تعالىٰ: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } فوفوا بما قالوا جزاهم الله تعالى عن نبيهم وعن الإسلام خيراً، ورضي الله عنهم وأرضاهم. { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في مخالفته إنه عالم بكل شيء.