الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

فيه مسئلتان: الأولى ـ قوله تعالى: { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }. قيل: معناه أَظهِر التبليغ لأنه كان في أوّل الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يَعصِمه من الناس. وكان عمر رضي الله عنه أوّل من أظهر إسلامه وقال: لا نَعبد الله سِراً وفي ذلك نزلت:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64] فدلت الآية على ردّ قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من أمر الدين تَقِيَّة، وعلى بطلانه، وهم الرَّافضة، ودّلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُسِرَّ إلى أحد شيئاً من أمر الدِّين لأن المعنى بَلِّغ جميع ما أُنزل إليك ظاهراً، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } فائدة. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها. وقيل غير هذا، والصحيح القول بالعموم قال ابن عباس: المعنى بَلِّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، فإن كتمتَ شيئاً منه فما بلَّغتَ رِسالته وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأديب لحملة العِلم من أمته ألاّ يكتموا شيئاً من أمر شريعته، وقد علِم الله تعالى من أمرِ نبيه أنه لا يكتم شيئاً من وَحْيه وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب والله تعالى يقول: { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } وقبّح الله الروافض حيث قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه. الثانية ـ قوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } دليل على نبوّته لأن الله عزّ وجلّ أخبر أنه معصوم، ومن ضمن سبحانه له العِصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئاً مما أَمَره الله به. وسبب نزول هذه الآية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً تحت شجرة فجاء أعرابي فاخْتَرَطَ سيفه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: من يمنعك مني؟ فقال: «الله» فذُعِرت يدُ الأعرابي وسقط السيف من يدِه، وضرب برأسه الشجرة حتى ٱنتثر دِماغه " ذكره المهدوي. وذكره القاضي عِياض في كتاب الشّفاء قال: وقد رُوِيت هذه القصة في الصحيح، وأن غَوْرَث بن الحارث صاحب القصة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنه فرجع إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس. وقد تقدّم الكلام في هذا المعنى في هذه السورة عند قوله:

السابقالتالي
2