الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

فيه ٱثنتان وثلاثون مسئلة: الأُولى ـ ذكر القشيريّ وٱبن عطية أن هذه الآية نزلت في قصّة عائشة حين فقدت العِقد في غزوة المُرَيْسِيع، وهي آية الوضوء. قال ٱبن عطية: لكن من حيث كان الوضوء متقرّراً عندهم مستعملاً، فكأنّ الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرّخصة في التّيمّم. وقد ذكرنا في آية، «النساء» خلاف هذا، والله أعلم. ومضمون هذه الآية داخل فيما أَمَر به من الوَفَاء بالعقود وأحكام الشرع، وفيما ذَكَر من إتمام النعمة فإن هذه الرخصة من إتمام النعم. الثانية ـ وٱختلف العلماء في المعنى المراد بقوله: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } على أقوال فقالت طائفة: هذا لفظ عامّ في كلّ قيام إلى الصلاة، سواء كان القائم متطهّراً أو مُحْدِثا فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضّأ، وكان عليّ يفعله ويتلو هذه الآية ذكره أبو محمد الدّارميّ في مسنده، وروى مثله عن عِكْرِمة. وقال ٱبن سِيرين: كان الخلفاء يتوضَّئون لكل صلاة. قلت: فالآية على هذا محكمة لا نسخ فيها. وقالت طائفة: الخطاب خاصّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن حَنْظَلة بن أبي عامر الغَسِيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر بالوضوء عند كل صلاة فشقّ ذلك عليه فأُمِر بالسّواك ورُفع عنه الوضوء إلا من حَدث. وقال عَلْقَمة بن الفَغْواء عن أبيه ـ وهو من الصحابة، وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تَبُوك ـ: نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان لا يعمل عَمَلاً إلا وهو على وضوء، ولا يكلّم أحداً ولا يردّ سلاماً إلى غير ذلك فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو للقيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال. وقالت طائفة: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلباً للفضل وحَمَلوا الأمر على النَّدْب، وكان كثير من الصحابة منهم ٱبن عمر يتوضئون لكل صلاة طلباً للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادةَ البيان لأُمته صلى الله عليه وسلم. قلت: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبّاً لا إيجاباً وليس كذلك فإن الأمر إذا ورد، مقتضاه الوجوب لا سيّما عند الصحابة رضوان الله عليهم، على ما هو معروف من سيرتهم. وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نُسخ في فتح مكة وهذا غَلَط لحديث أنس قال: " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وأن أُمّته كانت على خلاف ذلك " ، وسيأتي ولحديث سُوَيد بن النعمان

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد