الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

فيه ٱثنتا عشرة مسألة: الأُولى ـ قال الكلبيّ: كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الأذان: لقد ٱبتدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأُمم، فمِن أين لك صِياح مثل صِياح العير؟ فما أقبحه من صوت، وما أسمجه من أمر. وقيل: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا على طريق السخف والمجون تجهيلاً لأهلها، وتنفيراً للناس عنها وعن الداعي إليها. وقيل: إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازِىء بفعلها، جهلاً منهم بمنزلتها فنزلت هذه الآية، ونزل قوله سبحانه:وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً } [فصّلت: 33] والنداء الدعاء برفع الصوت، وقد يضم مثل الدُّعاء والرُّغاء. وناداه مناداة ونِداء أي صاح به. وتنادوا أي نادى بعضهم بعضاً. وتَنَادوا أي جلسوا في النادي، وناداه جالسَه في النادي. وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذه الآية، أمَا أنه ذُكر في الجمعة على الاختصاص. الثانية ـ قال العلماء: ولم يكن الأذان بمكة قبل الهجرة، وإنما كانوا ينادون «الصلاة جامِعة» فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصُرِفت القِبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وبقي «الصلاة جامِعة» للأمْر يَعْرِض. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان حتى أُرِيَه عبد الله بن زيد، وعمر ابن الخطاب، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم. وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع الأذان ليلة الإسراء في السماء، وأما رؤيا عبد الله بن زيد الخزرجيّ الأنصاريّ وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فمشهورة " وأن عبد الله بن زيد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليلاً طرقه به، وأن عمر رضي الله عنه قال: إذا أصبحت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذّن بالصلاة أذان الناس اليوم. وزاد بلال في الصبح «الصلاة خير من النوم» فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست فيما أُرِي الأنصاريّ " ذكره ٱبن سعد عن ٱبن عمر. وذكر الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله أن الصدّيق رضي الله عنه أرِي الأذان، وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً بالأذان قبل أن يخبره الأنصاريّ ذكره في كتاب «المديج» له في حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر الصدّيق وحديث أبي بكر عنه. الثالثة ـ وٱختلف العلماء في وجوب الأذان والإقامة فأما مالك وأصحابه فإن الأذان عندهم إنما يجب في المساجد للجماعات حيث يجتمع الناس وقد نص على ذلك مالك في موطئه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7