الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

فيه عشر مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } أي «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» و { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } فأعاد تأكيداً أي أُحِلّ لكم الطيبات التي سألتم عنها وكانت الطّيّبات أُبيحت للمسلمين قبل نزول هذه الآية فهذا جواب سؤالهم إذ قالوا: ماذا أُحِلَّ لنا؟. وقيل: أشار بذكر اليوم إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم كما يقال: هذه أيام فلان أي هذا أوان ظهوركم وشيوع الإسلام فقد أكملت بهذا دينكم، وأحللت لكم الطّيّبات. وقد تقدّم ذكر الطَّيّبات في الآية قبل هذا. الثانية ـ قوله تعالى: { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } ٱبتداء وخبر. والطعام ٱسم لما يؤكل والذبائح منه، وهو هنا خاصّ بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل. وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب قال ٱبن عباس قال الله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام: 121] ثم ٱستثنى فقال: { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } يعني ذبيحة اليهوديّ والنصرانيّ وإن كان النصرانيّ يقول عند الذبح: باسم المَسيح واليهودي يقول: باسم عُزَيْر وذلك لأنهم يذبحون على المِلّة. وقال عطاء: كُلْ من ذبيحة النصرانيّ وإن قال باسم المَسِيح لأن الله جلّ وعزّ قد أباح ذبائحهم، وقد علِم ما يقولون. وقال القاسم بن مُخَيْمَرة: كُلْ من ذبيحته وإن قال باسم سَرْجِس ـ ٱسم كنيسة لهم ـ وهو قول الزهريّ وربيعة والشعبيّ ومكحول ورُوي عن صحابيّين: عن أبي الدرداء وعُبادة بن الصّامت. وقالت طائفة: إذا سمعت الكتابيّ يسمي غير ٱسم الله عزّ وجلّ فلا تأكل وقال بهذا من الصحابة عليّ وعائشة وٱبن عمر وهو قول طاوس والحسن متمسّكين بقوله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [الأنعام: 121]. وقال مالك: أكره ذلك، ولم يحرّمه. قلت: العجب من الكيا الطبريّ الذي حكى الاتفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب، ثم أخذ يستدلّ بذلك على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط فقال: ولا شك أنهم لا يُسمُّون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبوداً حقيقة مثل المسِيح وعُزَيْر، ولو سموا الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على طريق العبادة، وإنما كان على طريق آخر وٱشتراط التسمية لا على وجه العبادة لا يعقل، ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة إذا لم تُتصوّر منه العبادة، ولأن النصرانيّ إنما يذبح على ٱسم المسيح، وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقاً وفي ذلك دليل على أن التسمية لا تشترط أصلاً كما يقول الشافعي، وسيأتي ما في هذا للعلماء في «الأنعام» إن شاء الله تعالى. الثالثة ـ ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محاولة فيه كالفاكهة والبُّر جائز أكله إذ لا يضر فيه تملُّك أحد.

السابقالتالي
2 3