الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

فيه ثلاثون مسألة: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } بيَّن تعالى أنه سوّى بين النفس والنفس في التوراة فخالفوا ذلك، فضلوا فكانت دِية النَّضِيريّ أكثر، وكان النَّضِيريّ لا يُقتل بالقُرَظِيّ، ويُقتل به القُرَظيّ فلما جاء الإسلام راجع بنو قُرَيظة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فحكم بالاستواء فقالت بنو النَّضِير: قد حططتَ منا فنزلت هذه الآية. و «كتبنا» بمعنى فرضنا، وقد تقدم. وكان شرعهم القصاص أو العفو، وما كان فيهم الديّة كما تقدّم في «البقرة» بيانه. وتعلق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية فقال: يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس بنفس، وقد تقدّم في «البقرة» بيان هذا. وقد روى أبو داود والترمذيّ والنسائي عن عليّ رضي الله عنه. إنه سئل هل خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: لا، إلا ما في هذا، وأخرج كتاباً من قِراب سيفه وإذا فيه: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ولا يُقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده " وأيضاً فإن الآية إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل، وأخذهم من قبيلة رجلاً برجل، ومن قبيلة أُخرى رجلاً برجلين. وقالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وقد مضى في «البقرة» في الردّ عليهم ما يكفي فتأمله هناك. ووجه رابع ـ وهو أنه تعالى قال: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } وكان ذلك مكتوباً على أهل التوراة وهم ملة واحدة، ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذِمة لأن الجِزية فيءٌ وغنيمة أفاءها الله على المؤمنين، ولم يجعل الفيء لأحد قبل هذه الأُمة، ولم يكن نبيّ فيما مضى مبعوثاً إلا إلى قومه فأوجبت الآية الحكم على بني إسرائيل إذ كانت دماؤهم تتكافأ فهو مثل قول الواحد منا في دماء سوى المسلمين النفس بالنفس، إذ يشير إلى قوم معينين، ويقول: إن الحكم في هؤلاء أن النفس منهم بالنفس فالذي يجب بحكم هذه الآية على أهل القرآن أن يقال لهم فيما بينهم ـ على هذا الوجه ـ: النفس بالنفس، وليس في كتاب الله ما يدل على أن النفس بالنفس مع ٱختلاف المِلة. الثانية ـ قال أصحاب الشافعيّ وأبو حنيفة: إذا جرح أو قطع الأُذن أو اليد ثم قتل فُعِل ذلك به لأن الله تعالى قال: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } فيؤخذ منه ما أخذ، ويفعل به كما فعل. وقال علماؤنا: إن قصد به المُثلة فُعِل به مثله، وإن كان ذلك في أثناء مضاربته ومدافعته قُتِل بالسيف وإنما قالوا ذلك في المُثلة يجب لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم سَمَل أعين العُرنيِين حسبما تقدّم بيانه في هذه السورة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد